إن ما حققه الشعب الفلسطيني قبل وفي أثناء وبعد مؤتمر البحرين شكل تأكيدًا على أن وحدة الموقف الفلسطيني يمكن أن تشكل عمودًا رئيسًا وحجرًا أساسًا في فرض الإرادة الوطنية، وأن حالة الضعف يمكن أن تتحول إلى حالة قوة إذا ما أحسن الضعيف استثمار عناصر قوته وتفعيلها، وهو ما تم تجسيده بالفعل فلسطينيًّا في التعامل مع مؤتمر البحرين.
لقد عبر الفلسطينيون متحدين عن رفضهم للمؤتمر مما نزع الشرعية عنه وعن المشاركين فيه وتحول من لقاء لفرض الأمر الواقع إلى حفلة خطابية لم ينتج عنها أي فعل يذكر، واكتفى المشاركون بالتقاط الصور وإلقاء الكلمات، في حين البعض الآخر ذهب إلى الدفاع عن نفسه وعن فكرة المؤتمر، والكثيرون تراجعوا خطوتين إلى الوراء.
وما يمكن ملاحظته أيضا اختفاء المزايدات الفلسطينية ما بين القوى والفصائل والتوافق السياسي والإعلامي في التعامل مع المؤتمر وعموم طروحات صفقة ترامب استشعارًا أن المرحلة ليست مرحلة تسجيل نقاط، لأن المقصود هو إفشال محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وهو أمر أخطر كثيرًا من التنافس الداخلي أو التراشق الإعلامي.
وسياسيًّا لم يعد هناك ما يختلف عليه الفلسطينيون، فمسار التسوية الذي شكل الانتقال من الكفاح المسلح إلى العملية التفاوضية لم يعد قائمًا، ويجاهر مسؤولو الإدارة الأمريكية بفشل حل الدولتين –أساس مسيرة أوسلو- إلى جانب ما يمارسونه من انحياز صريح للاحتلال، بما يعني أن مسار التسوية لم يدخل فقط في غيبوبة وإنما وصل إلى مرحلة الموت السريري ولا يصلح معه أي محاولة لإعادته للحياة.
لذلك فإن خيارات الشعب الفلسطيني وقياداته يجب أن تكون أيضا أكثر وضوحًا وصراحة وأول هذه الخيارات هي استعادة وحدة الموقف الفلسطيني وإعادة صياغة المؤسسة الرسمية الفلسطينية لتضم الجميع من أجل الإنقاذ الوطني ومواجهة أي محاولة أخرى في إطار ما يسمى بصفقة القرن أو غيرها.
وفي ظل الخطوات الترامبية بدءًا بنقل السفارة إلى المشاركة في افتتاح النفق الاستيطاني أنه ليس هناك ضوء أخضر أمام الاستيطان في الضفة وإنما ضم المستوطنات وهو يعني أنه لن تبقى أرض يملكها الفلسطيني إذا ما مرر المشروع الأمريكي الإسرائيلي، ما يتطلب سرعة في لملمة الصفوف ووضع استراتيجية وطنية أو خطة إنقاذ وطني للوقوف صفًّا أمام هذه المخططات لا سيما أن هناك 4 مشاريع قرارات لضم مناطق واسعة من الضفة للاحتلال وقد يسعى الأمريكيون إلى تقديم رشى سياسية لنتنياهو في إطار دعمه انتخابيًّا بالاعتراف بأحدها.
لذلك الخطوة الفلسطينية الأولى هي تحقيق وحدة الموقف والمؤسسة والأدوات ووضع الآليات الجمعية لمواجهة هذه المخططات للحفاظ على الأرض والكيانية السياسية الفلسطينية، فنحن معًا ومجتمعون يمكن أن نحقق من الإنجازات أكبر بكثير مما لو بقينا ضحايا انقسام لا معنى له ولا مستفيد منه سوى المحتل.
الكلمة الآن للأخ أبو مازن، أمامك فرصة تاريخية أن تكون رئيسًا لكل الفلسطينيين لتدعو للقاء يضم القادة جميعًا، لأن البديل خطير للغاية والوقت لن ينتظر والفرص لا تأتي كثيرًا والتاريخ لا يرحم.