لم تكتفِ أنظمة عربية بخذلان القضية الفلسطينية وتصفيتها وبيعها عبر ما يُسمى "صفقة القرن" الأمريكية، متجاهلةً مخاطرها على فلسطين والمنطقة كلها، بل حرمت شعوبها أيضًا التضامن مع قضية فلسطين ودعمها، فمنعت تظاهرات واحتجاجات ترفض الصفقة وملحقاتها.
واتفق مختصان على أن أنظمة عربية فضّلت بقاءها في الحكم على مواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، غير آبهة بمخاطر الصفقة الأمريكية على فلسطين والدول العربية في المنطقة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس بعُمان، هاني البسوس: "إن معظم دول المنطقة مشغولة بقضايا داخلية تؤرق مضاجع المواطنين، وتُقلق الحكام والمسؤولين".
وأوضح البسوس في حديث لصحيفة "فلسطين" أن العالم العربي والإسلامي أشغل بقضايا حياتية وهموم تتعلق بقضايا إنسانية وخدمات عامة وحريات، الأمر الذي أثر سلبًا في القضية الفلسطينية، إذ لم تعد على سلم الأولويات، وهذا ما يُفسر السكوت العربي والإسلامي عن مشاريع التصفية.
والأمر لا يقل خطورةً على المستوى الدولي، وفق رأيه، إذ توجد تغطية إعلامية إسرائيلية وأمريكية خاصة باللغة الإنجليزية لمصلحة الاحتلال تحاول طمس الحقائق وتغيير الوقائع.
وأضاف: "إن العالم الآن دولًا أو أفرادًا لا يستطيع الوقوف أمام جبروت الماكنة العسكرية والإعلامية الأمريكية، إلا أن المقاومة الفلسطينية ستبقى مدعومة من الشعب الفلسطيني وبقية العالم الحر، تتحدى الاحتلال وتقف في وجه الصفقة".
ورأى أن الموقف الفلسطيني الموحد الرافض لـ"صفقة القرن" يشكل خط الدفاع الأول عن فلسطين في مواجهة الصفقة، إلا أن الضعف يتسلل من انقسام الفعاليات، الأمر الذي يتطلب محاولة رأب الصدع وإنهاء الانقسام، وتوحيد الصفوف في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي.
ليست بالمستوى المطلوب
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس عثمان عثمان مع سابقه في أن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني الرافض لـ"صفقة القرن" هي الأهم حاليًّا، إذ تقف السلطة إلى جانب كل الفصائل الوطنية في رفض الصفقة، وهذا الأمر يحدث أول مرة منذ عقود.
ورأى عثمان في حديثه لـ"فلسطين" أن الولايات المتحدة استغلت حالة ضعف بعض الأنظمة والحكومات العربية المعنية بالتخلص من القضية الفلسطينية، التي لم يعد الكيان العبري عدوًّا لها، فاختارت الوقت الأنسب لتمرير هذه الصفقة، لافتًا إلى أن العالم العربي لو كان واعيًا مخاطرها لما كان هناك مؤتمر في البحرين، ولما كان هناك صفقة قرن.
وعشية "مؤتمر البحرين" شهدت عواصم دول عربية عدة، خاصة لبنان والعراق والكويت والأردن والمغرب، تظاهرات شعبية وفعاليات رافضة للمؤامرة الأمريكية، ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره.
إلا أن عثمان يرى أن ردّات الفعل العربية ليست بالمستوى المطلوب، نظرًا لحالات القمع والديكتاتورية السائدة في الدول العربية، حيث تمنع تلك الأنظمة الخانعة والمستبدة التظاهر خشيةً على نفسها.
يضاف إلى ذلك عامل آخر، وهو وجود نوع من اليأس وتهميش القضية الفلسطينية باستخدام الإعلام الممنهج الذي لا يركز على محورية القضية الفلسطينية وأهميتها وصراعها مع الاحتلال، وفق رأي عثمان.
وأكد "وجود تقصير واضح من الشعوب العربية تجاه التضامن مع القضية الفلسطينية، إذ لا تُعبأ وطنيًّا ولا دينيًّا تحت الاستبداد؛ خشية انخراط المجتمعات وتحريكها في مواجهة الحكومات المستبدة".