فلسطين أون لاين

تدميره يعكس عجز المنظمات الدولية بتوفير الحماية له

تقرير مشفى "كمال عدوان".. أيقونة للصمود الأسطوري وشاهدٌ على الإبادة

...
عاش المرضى والكادر الطبي في كمال عدوان 85 يوما تحت الحصار قبل أن يداهمه جيش الاحتلال أمس
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في قلب الإبادة وبمحيط سكني مدمر أصبح مهجورًا بلا معالم حياة تغيرت خلاله معالم المنطقة، وقف مشفى كمال عدوان الواقع بمحافظة شمال قطاع غزة، وحيدًا يواجه الموت والقتل والتدمير في صمود أسطوري حتى آخر رمق يعكس وجهًا من أوجه صمود غزة أمام الإبادة، بعدما تركه العالم بمن بداخله من مرضى ومصابين وأطفال ونساء منذ ثلاثة أشهر بلا مقومات حياة من دواء وطعام وماء أو حماية.

على لسان مديره د. حسام أبو صفية قال في صرخته الأخيرة "نحن نموت ولا أحد يشعر بنا" محاولا كسر جدار الصمت العالمي وتذكير المنظمات الدولية بما كانوا يرددونه من شعارات وبنود قوانين حقوقية تكفل حق المستشفيات بتقديم الخدمة ثبت زيفها على أرض الواقع، وأنه حبرٌ على ورق.

 لم يغادر الدكتور أبو صفية، وبالرغم من فقدان نجله المشفى منذ أكثر من عام، ولم يتخل هو والطواقم الطبية عن واجبهم الإنساني الذي تخلت عنه المنظمات الدولية.

وفي أوج مشاعر الخوف والقلق على حياتهم المهددة بالموت أو الأسر واصل أبو صفية وطاقمه الطبي تقديم الخدمة، ليصبحوا أيقونة للصمود الأسطوري، فلم يرهبهم القصف المتواصل لمحيط المشفى، ولم يتخلوا عن المرضى والمصابين واستمروا في أداء واجبهم حتى في أشد لحظات الرعب والتجويع حتى آخر لحظات القصف والتدمير.

دمر الاحتلال المستشفى الإندونيسي، وتفاخر جنود الاحتلال بمقاطع فيديو بذلك، ثم أحرق مستشفى كمال عدوان، تعكس الجريمة فشل المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن في توفير الحماية لمستشفيات غزة، فلم يستيقظ الضمير العالمي والإنساني من النوم ولم يحل عقدة الصمت عن ألسنة المنظمات الدولية بفعل الجريمتين.

بين خوف وخذلان، عاش المرضى والمصابون نحو 85 يوما، كان الجميع مجرد أجساد خاوية دون أرواح، وأما الطعام والمجاعة فآخر ما فكروا فيه رغم اشتدادها عليهم، كان الخوف وحده لا يدع شهية لطعام او شراب، الكل ينتظر الاتفاق والهدنة، وبعدها يفكرون في الطعام وكان وجبة واحدة في اليوم وإن غير مشبعة، نفدت في الساعات الأخيرة، وقبلها نفدت المياه بعد قصف الاحتلال لمحطة التحلية الوحيدة بالمشفى، واستمر المرضى بشرب مياه غير صالحة للشرب.

لحظة مروعة

بعد حصار مطبق صباح أمس، سبقها إرسال روبوتات محملة بكميات هائلة من المتفجرات لتفجير محيط المشفى، أعقبها اقتحام همجي وتفجير أجزاء واسعة من المبنى، وسبقها بيوم مجزرة مُروّعة راح ضحيتها خمسة من أفراد الطواقم الطبية، قصف الاحتلال مبنى الأرشيف والمختبر بالمشفى بدأ الاقتحام الذي عاشته الحكيمة شروق الرنتيسي.

تروي الرنتيسي لصحيفة "فلسطين" لحظات عصيبة عاشتها "بعد قصف مبنى الأرشيف والمختبر بصواريخ الطائرات الحربية، تقدمت دبابات الاحتلال للمشفى وطلبت من الدكتور أبو صفية الخروج، وبالفعل خرج وكنا قد تجهزنا لهذه اللحظة، وكنا نحو 400 شخص بين مرضى ومصابين وطواقم طبية داخل المشفى".

جرد الاحتلال المرضى والمصابين من الملابس، وأجبرهم على الخروج في أجواء باردة، بعضهم سار في الطرقات المجرفة وهو يجر حمالة المحلول الطبي معه، في مشهد تجلت فيه نازية الاحتلال في التعامل مع المصابين، وأجبر ممن لا يستطيعون المشي على الوقوف والسير تحت فوهة رشاشات الدبابات، وتحت الضرب.

ولم تسلم النساء أو الأطفال من الإهانة التي مارسها الاحتلال، عاشت الرنتيسي فصلوها، فتكمل: "توجهنا إلى مدرسة الفاخورة وهناك فصلوا النساء عن الرجال، وفي البداية طلبوا منا خلع الحجاب، وعندما رفضنا طلبوا أن تخلع الفتيات بعمر 18 عاما الحجاب، فرفضنا، ثم طلبوا أن تخلع الفتيات بعمر 15 عاما حجابهن فرفضنا، وأمام إصرارانا أذعن الاحتلال لطلبنا،  لكنه مارس الإهانة وقام بضربنا وشد شعورنا من فوق الحجاب لرفضنا خلعه".

وتابعت بقهر: "كنا نحو 70 امرأة يرافق بعضهن أطفال صغار ورضع عاشوا لحظات مرعبة، وسرنا بين شوارع وبيوت مدمرة لم نعرف معالمها إلى أن وجهتنا الدبابات إلى دوار أبو شرخ ومن ثم توجهنا لمدينة غزة".

عن قصف المشفى، قبل إجلاء المرضى والمصابين، تصف الرنتيسي تلك اللحظة "بالمرعبة والقاسية" وسط خشية من تكرار اقتحام الاحتلال المشفى بنفس التوقيت من العام الماضي وقام بدفن مصابين وهم أحياء، "احترق قسم الأرشيف والمختبر أمامنا، كنا في حالة قلق وخوف، لأن معنا أطفال ومصابين" تروي.

كغيرها من الطواقم الطبية، بقيت الرنتيسي على رأس عملها منذ قرابة ثلاثة أشهر، عاشت الخوف والتجويع، وتعتبرها "تجربة قاسية، صمدت فيها أمام تجويع شديد حيث لم يدخل شربة ماء أو رغيف خبز للمشفى، وأدى ذلك لنفاد ما تبقى من طعام، كما حرموا من شرب المياه الصالحة، ومنع الدواء عن المرضى والمصابين، إضافة للقصف المستمر فلم نكن نستطيع النوم".

جريمة وحشية

ما جرى من ارتكاب جريمة وحشية على يد الاحتلال "الإسرائيلي" بإحراق وتدمير المستشفيات في قطاع غزة، والتي كان آخرها إحراق وتدمير مستشفى كمال عدوان بمحافظة شمال قطاع غزة؛ يعكس وبوضوح كما يؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي د. إسماعيل الثوابتة عجزًا كبيرًا في المنظومة الصحية العالمية عن حماية المنشآت الطبية وضمان حيادها وفقًا للقوانين الدولية والإنسانية.

يقول الثوابتة لصحيفة "فلسطين" إن: "المستشفيات تُعدّ ملاذًا آمنًا للمرضى والمصابين، واستهدافها يُعد انتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق والأعراف الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن حماية المنشآت الطبية في أوقات النزاعات"، مؤكدًا، أن هذا العجز لا يعبر فقط عن فشل في تطبيق القوانين الدولية؛ بل يشير أيضًا إلى غياب آليات محاسبة فعالة تردع الاحتلال "الإسرائيلي" وتُحافظ على قدسية العمل الإنساني.

ويفاقم تدمير مستشفى كمال عدوان، الوضع الإنساني والصحي بمحافظة شمال قطاع غزة، ويلفت الثوابتة إلى أن المشفى كان يُقدم خدمات طبية أساسية لمئات لآلاف المواطنين، لا سيما في ظل تصاعد وتيرة العدوان "الإسرائيلي" وانعدام البدائل الطبية في المحافظة برمتها.

كما أن فقدان المنشأة الطبية، وفق الثوابتة، يعني تعطيل الخدمات الصحية الطارئة، وزيادة الضغط على الكوادر الطبية التي قام الاحتلال بإعدام جزء منهم، والمتبقين لا يجدون أي مستشفى يستطيعون تقديم خدماتهم الصحية لأبناء شعبنا الفلسطيني.

وأوضح أن المستشفيات تعاني بالفعل من انعدام الموارد والأدوية وتوقف غرف العمليات، وقال: "نحن أمام كارثة إنسانية وأزمة عميقة حرفياً. كما يُضيف هذا التدمير المزيد من المعاناة لشعبنا الفلسطيني الذين يواجهون صعوبات هائلة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، ما يجعل الوضع الإنساني والصحي في المنطقة كارثيًا بكل المقاييس".

مصير مجهول

ويأتي هذا الهجوم على مستشفى كمال عدوان، ضمن خطط الاحتلال لتطبيق خطة الجنرالات الإبادية، والتي تهدف إلى استكمال إفراغ شمال قطاع غزة من السكان وتدميره وجعله منطقة غير صالحة للحياة راهنًا ومستقبلًا، ليترك من تبقى من السكان المحاصرين البالغ عددهم قرابة 20 ألف إلى مصير مجهول ومميت وبدون طعام أو حماية وبدون خدمات صحية. بحسب رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي.

ولفت عبد العاطي لصحيفة "فلسطين" إلى أن الاعتداء على مشفى كمال عدوان جاء بعد أكثر من 40 اعتداء سابق من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت المستشفى ومحيطه على مدى أكثر من شهرين، شملت تفجير الروبوتات في محيط المستشفى، وإلقاء القنابل والقصف المتكرر من قبل طائرات الكودكابتر، وإطلاق النار من قبل الدبابات، ما تسبب في تدمير وحرق عدد من المباني. 

وسبق الاقتحام بيوم وقوع مجزرة مروعة، حيث قتلت قوات الاحتلال خمسة من طواقم المستشفى عبر استهدافهم بشكل مباشر، ، من خلال قصف اثنين منهم أثناء توجههم للمستشفى وثلاثة آخرين استشهدوا في مبنى مقابل المستشفى الذي جرى قصفه من طائرات الاحتلال ما تسبب في تدمير المبنى واستشهاد 50 مواطنًا كانوا في المبنى المستهدف.

وقبل شهرين حرق الاحتلال المستشفى الإندونيسي في سلسلة من الانتهاكات المستمرة بحق مستشفيات شمال قطاع غزة والتي تم إخراجها عن الخدمة، وهذا بهدف استكمال إبادة القطاعات الخدمية والصحية والإنسانية وإبادة المدن والمخيمات بشكل شبه كلي في محافظة الشمال. وفق عبد العاطي.

المصدر / فلسطين أون لاين