لا بد من الازدهار الأمني كي يتحقق الازدهار الاقتصادي، هذا ما قاله كوشنير، فهل كان يقصد في حديثه هذا أرض الضفة الغربية التي تتمتع بازدهار أمني يسمح بتحقيق الازدهار الاقتصادي؟
لا شك في ذلك، ولاسيما أن الأطماع الإسرائيلية تنصب على أرض الضفة الغربية دون أرض غزة، لذلك فإن فكرة الازدهار الاقتصادي تهدف إلى التعامل مع واقع الضفة الغربية كما هو، وتحت ظلال الاحتلال، ووفق تقسيمة أوسلو للأراضي، وهذا يؤكد أن لا ازدهار اقتصادي فلسطيني في منطقة (ج)، تلك المنطقة التي سيضمها الاحتلال الإسرائيلي، ولن يسمح بأي تمدد للسكان الفلسطينيين فيها، ولن يوافق على طرد أي مستوطن يهودي منها.
إن تكامل الازدهار الأمني مع الازدهار الاقتصادي يشكل الأساس الذي تقوم عليه السياسة الفلسطينية لأكثر من عشر سنوات، تلك السياسة التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى هذه الحالة من القابلية لتطبيق الازدهار الاقتصادي الذي سينمو على أرض مفروشة بالازدهار الأمني، وما كان لكوشنير أن يطرح مشروعه الاقتصادي لولا ثقته التامة بمواصلة تحقق الأمن الكامل على أرض الضفة الغربية، وفي تقديري هذا هو ملخص السياسة الأمريكية الإسرائيلية على أرض الضفة الغربية، التي ستعمل على ضم جزء كبير من منطقة (ج)، مع إتاحة فرص عمل للشباب الفلسطيني داخل المدن الفلسطينية، وشرق الأردن، لتشجيع الرحيل.
فكيف يفرض الفلسطينيون أنفسهم نداً للسياسة الأمريكية والإسرائيلية التي نجحت حتى الآن في عقد مؤتمر البحرين، ونجحت حتى الآن في خلق الانسجام بين الوفود العربية والوفد الإسرائيلي، ونجحت حتى الآن في مناقشة القضية الفلسطينية دون وجود تمثيل فلسطيني، ونجحت حتى الآن في تسويق فكرة التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي كمقدمة لحل القضية الفلسطينية، وستنجح الإدارة الأمريكية في توفير المبلغ المالي المطلوب للصفقة، وستنجح الإدارة الأمريكية في تمويل المشاريع التي أعدها كوشنير دون قدرة فلسطينية على الاعتراض؟ فمن سيعترض على تطوير محطة توليد الكهرباء شمال جنين؟ ومن سيعترض على مشاريع الصرف الصحي جنوب الضفة الغربية؟ ومن سيعترض على إيصال خط كهرباء 161 إلى غزة بتكلفة 60 مليون دولار؟
أزعم أن دعوة إسماعيل هنية لتحقيق المصالحة وفق الاتفاقيات الموقعة لسنة 2005، لا تختلف كثيراً عن دعوةحزب الشعب للعودة إلى لقاء بيروت مطلع 2017، ولا تبتعد كثيراً عن دعوة زياد النخالة وجميل مزهر، فالمنطلق لليمين الفلسطيني واليسار واحد، ويقوم على مواجهة صفقة القرن بموقف وطني موحد، وبرنامج عملي موحد، ليبقى السؤال: ماذا تنتظر قيادة السلطة الفلسطينية؟ متى ستلبي دعوة القوى الوطنية والإسلامية، وتلجأ إلى المصالحة؟ أم أن اللقاء بين وزير المالية الفلسطيني مع وزير المالية الإسرائيلي في القدس له الأولوية على كل لقاء فلسطيني تصالحي؟
تبذير الوقت لا يخدم القضية الفلسطينية، والانتظار سياسة تعزز مكانة المحتلين فوق أرض الضفة الغربية.