حسمت العديد من الدول العربية مشاركتها في ورشة المنامة الاقتصادية، رغم أن مواقفها بالمشاركة أعلنها كوشنر مبكراً، ولكنها كانت تتمنع على استحياء خوفاً من القول: إنها لا تملك قرارها من الذهاب أو عدمه، فالنظام الرسمي العربي وصل حالة من التعفّن، وهو غير مالك لا لإرادته ولا لقراره السياسي.. ولذلك معزوفة سنذهب لكي نتمسك برفض تصفية القضية الفلسطينية، هي اسطوانة مشروخة ولذر الرماد في العيون، فالنظام الرسمي العربي يقول نقبل بما يقبل به الفلسطينيون في العلن، ولكن في السر نقبل بما يريده الأمريكان والإسرائيليون، فالفلسطينيون رفضوا حضور ورشة البحرين الاقتصادية .
المهم ورشة تصفية القضية الفلسطينية بالمال والمشاريع الاقتصادية غير المشمولة بها مدينة القدس، والتي أحد مبادئ صفقة القرن إزاحتها عن طاولة المفاوضات والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال.. تتحدث عن ورشة اقتصادية برأسمال قيمته 50 مليار دولار تجمع أغلبها من المحميات الخليجية على شكل منح وقروض، منها 15 مليار منح و 25 مليار قروض مدعومة و 11 مليار من قطاع الرأسمال الخاص على مدار خمس سنوات.. وحوالي 28 مليار ستخصص لمشاريع في الضفة والقطاع، من أجل إحداث تنمية واستحداث وظائف وتطوير الوضع الاقتصادي وزيادة الناتج الإجمالي، وهذه الخطة تشبه إلى حد ما خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة اعمار أوروبا التي لحق بها الدمار، ولكن هنا التمويل يأتي من المحميات الخليجية.. والخطة هي وصفة الإدارة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث يجري تعميق ربط حياة الشعب الفلسطيني بمؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين، ولا تعطي له أية أفاق بمستقبل سياسي، بل تريد دفن حقوقه وآماله وتطلعاته في العيش بوطن حر إلى الأبد، فهي لا ترى أنه بلغة كوشنر شعب قادر على حكم نفسه، وقضيته ليست قضية أرض ووطن، بل قضية مال ومشاريع اقتصادية.
لا أعتقد بأنّ أي مستثمر سيأتي للاستثمار في منطقة غير مستقرة سياسياً، لا يوجد فيها سوق موحد ولا تواصل جغرافي ولا حرية حركة ولا تنقل، وكل يوم سيخضع فيها بضائعه أو منتجاته لفحوصات أمنية إسرائيلية ليس لها لا أول ولا أخر.
صحيح بأن النظام الرسمي العربي متعفن وينخره السوس والفساد، ويقول على لسان المحمية الخليجية الكبرى السعودية، بأن عهد الحروب مع (إسرائيل) قد ولى، ولكن سقوط الأنظمة وإنهيارها لا يعني بأن الشعوب ستستسلم وترفع الراية البيضاء.. ولن تقبل بتغيير قواعد الصراع وأسسه ولا بتغيير اتجاه البوصلة.. هي خطة تحلق في الخيال وليس في الواقع، فالواقع اعقد بكثير من رسم خطط تتجاهل حقوق الشعوب في الوطن والأرض والحرية والاستقلال.