لقد كانت فرحة غزة يوم فوز الراحل محمد مرسي بكرسي الرئاسة المصرية بحجم ألمها اليوم على فراقه بعد ستة أعوام قضاها في السجن.
ويرجع ذلك لدور مرسي وهو أول رئيس مدني منتخب في مصر لدوره البارز في تفكيك الحصار عن قطاع غزة وفتح معبر رفح البري أمام المسافرين.
ليس ذلك فحسب بل أسهم الرجل في التصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في خريف عام 2012، إذ أوفد رئيس وزرائه ووفدًا حكوميًّا إلى غزة واتخذ موقفًا صارمًا من العدوان الذي توقف بعد ثمانية أيام فقط.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن الرئيس الراحل مرسي كان يعمل على استنهاض القضية الفلسطينية بكل جوانبها في أثناء حكمه، مدللًا على ذلك بموقفه خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة عام 2012م الذي اتخذ فيه موقفًا حاسمًا ربما أجبر الاحتلال على وقف عدوانه.
وأضاف الصواف لـ"فسطين": "مرسي كان مهتمًا بالقدس منذ كونه عضوًا في البرلمان المصري، فالقضية الفلسطينية تعيش في وجدانه منذ نشأته الأولى، وكان بالإمكان أن يرتقي بالموقف المصري لمرحلة الاصطفاف الكامل مع الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي لكن الله قدر ألا يستمر كثيرًا".
وتابع: "مرسي قدم كثيرًا من التسهيلات لغزة، لمسنا السماح للوفود الأجنبية والعربية والإسلامية المتضامنة مع قطاع فغزة كوفد وزراء الخارجية لجامعة الدول العربية التي كان رئيس الوزراء المصري على رأسه".
وأردف بالقول: "دخول النخب المصرية والعربية والإسلامية في ظل المعارك بغزة دليل واضح على وقوفه لجانب القضية الفلسطينية ودعمها بكل الأدوات الممكنة، حيث زار الوفد المصري منزل الشهيد الجعبري في موقف بطولي يتمناه كل عربي في هذه المرحلة التي نحن بأمس الحاجة فيها لتلك المواقف التي حُرمنا منها".
وبين أنه خلال الفترة القصيرة لحكم مرسي لم تعد مصر حليفًا استراتيجيًا لـ(إسرائيل)، حتى أن نتنياهو استنكر عدم ذكر مرسي لـ(إسرائيل) طول العام، قائلًا: "كان من الممكن أن يقوم مرسي بدور كبير لمصر كدولة عربية كبرى تجاه القضية الفلسطينية الأمر الذي جعل الاحتلال يشعر بالخطر ودفعه للكيد له والانقلاب عليه".
وبين الصواف أن حزنًا شديدًا عمَّ فلسطين والقدس والعالم العربي لأنه كان رجلًا قياديًّا يتحمل هم القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية للأمة، ما جعل من مرسي نموذجًا يُحزن عليه سواء في أثناء اعتقاله أو شهادته، قائلًا: "حزن المقدسيون عليه لأنهم كانوا يعولون عليه إذا ما استمر بالحكم أن يحدث تطورات كبيرة توقف حالة الانهيار الذي يعيشه العالم العربي".
خطاب مختلف
بدوره، قال المحلل السياسي ساري عرابي إن مواقف مرسي بمعزل عن موضوع الحكم منسجمة مع مواقف "الإخوان المسلمين" في مصر والعالم العربي والإسلامي، إذ إنه يتبنى مواقفها وخطابها العام الذي يتبنى بشكل كبير القضية الفلسطينية والمقاومة.
وبين عرابي لـ"فلسطين"، أن تبني مرسي العاطفي والوجداني للقضية الفلسطينية جزء من أدبيات الإخوان، قائلًا: "لم يختلف هذا الخطاب منذ كونه قائدًا في الجماعة عن خطابه عندما وصل الحكم فكان له خطابات متقدمة جدًا مختلفة عن الحالة العربية، خاصة خطابه في أثناء العدوان على غزة 2012م الذي شكل قفزة كبيرة في الخطاب العربي".
أما على ناحية الممارسة والأداء –وفقًا لعرابي- فقد انتهج نهجًا مختلفًا حيث تعامل مع "حماس" والفصائل الفلسطينية المقاومة بشكل دبلوماسي وسياسي كتأكيد على احترام وشرعية تلك القوى، في حين فتح ساحة القاهرة لتلك الفصائل.
وقال: "شعر أهل غزة بقدر جيد من الحرية والاحترام على معبر رفح رغم وجود متحكمين آخرين في المعبر كالمخابرات والجيش والشرطة الذين كانوا يسعون لاستبعاده والانقلاب عليه".
وأضاف: "ورغم معاندة رجال الدولة له لكنه انفتح على غزة وغض الطرف عن دخول الأموال والمعدات للمقاومة من خلال سيناء".
وأشار إلى أن شعبنا في جميع أماكن وجوده في الوطن والشتات انتابته حالة حزن شديد على مرسي ونقمة على مَنْ قتلوه داخل السجن، فهو فقيد الأمة كلها التي كانت تعول على أن وصوله لسدة الحكم بمصر يمكن أن يؤدي لتغيير جذري وأن يكون فاتحة لتحولات تفضي لتحرير فلسطين وإزالة (إسرائيل).
وأضاف: "لذلك كانت إزالة مرسي من الحكم مقدمة ضرورية لتطبيق "صفقة القرن" وتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال التي كان أول بنودها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية إليها".
وتابع عرابي: "كان موقف مرسي مختلفًا تمامًا عن مبارك، ما جعل القوى الدولية والإقليمية والاحتلال الإسرائيلي يدركون أن استمراره بالحكم سيشكل خطرًا على (إسرائيل)".