الدروس العملية في الصراع مع العدو الإسرائيلي تعطي نتائج إيجابية أفضل ألف مرة من التنظير الكلامي، ومن الشعارات السائبة عبر وسائل الإعلام، هذا ما أكده الدرس الذي نشرت تفاصيله صحيفة يديعوت أحرنوت، ويشير إلى شروع الاحتلال الإسرائيلي في مد أنابيب صرف صحي من منطقة بيت حانون وبيت لاهيا شمال قطاع غزة وحتى مستوطنة سديروت، بمسافة 15 كيلو متر، بتكلفة 15 مليون شيكل.
مشرع إسرائيلي يهدف إلى امتصاص ما يتسرب من مياه صرف صحي تتدفق إلى شمال قطاع غزة، وتحدث تلوثاً بيئياً في المنطقة، سيؤثر على المياه الجوفية، وعلى البيئة التي يتنفس فيها المحتلون الصهاينة الهدوء والأمن.
لقد اضطرت إسرائيل إلى حفر خط الصرف الصحي هذا بعد أن فقدت الوسيلة في الضغط على أهل غزة، لذلك أجبر الاحتلال على تنفيذ المشروع بنفسه لتتفادى الأضرار البيئية، ومن المؤكد أن إسرائيل ستخصم تكلفة هذا الخط من أموال المقاصة التي تعود للسلطة الفلسطينية، باعتبارها النقطة الأضعف في التعامل، ولكن الأكثر تأكيداً هو الاستسلام الإسرائيلي للواقع القائم في قطاع غزة، الذي فرض على الجيش الإسرائيلي أن يتعامل مع الحقائق كما هي، وفي هذا درس سياسي يتعلم منه الفلسطينيون كيفية تحميل الاحتلال الإسرائيلي مأساتهم ومعاناتهم وأحوالهم المتردية في جوانب حياتية أخرى، مثل فائض الزبالة الذي يشغل بال بلديات قطاع غزة، ومثل قلة العمل، وقلة الموارد الاقتصادية، والاكتظاظ السكاني، والحصار البحري، ليبقى السؤال الذي يحتاج إلى ورشة عمل: كيف نزعج الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة بفائض الأوجاع التي يعاني منها سكان قطاع غزة؟
أما الدرس العملي الثاني الذي اربك حسابات السياسة الإسرائيلية فقد تمثل بطلب الإدارة الأمريكية عدم إخلاء قرية الخان الأحمر من سكانها العرب، وتأجيل الأمر حتى شهر ديسمبر، رغم قرار القضاء الإسرائيلي بالإخلاء.
فلماذا تدخلت الإدارة الأمريكية بهذا الطلب الذي يتعارض مع مطالب المنظمات اليهودية المتطرفة بتنفيذ قرار المحكمة، وإخلاء قرية الخان الأحمر من سكانها العرب فوراً؟ هل هو الحب الأمريكي الزائد للفلسطينيين؟ أم هي الشفقة على بؤسهم ومعاناتهم؟ أم هي القناعة الأمريكية بعدالة قضيتهم؟
في تقديري لا هذه، ولا تلك،ولا ذاك، ولكنها التقارير الأمنية المتوفرة لدى المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الأمريكية، والتي تفيد باحتمال انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وهذا الانفجار لا يخدم السياسة الأمريكية في المنطقة، وهي في حالة استنفار وحشد عسكري قد يتطور إلى حرب ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وعليه فإن القرار الأمريكي الملزم لإسرائيل بتأجيل إخلاء سكان الخان الأحمر يعود إلى رغبة أمريكا بتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية، وهذا تطور سياسي يجب أن يلتفت إليه الفلسطينيون في هذه المرحلة، والعمل السريع للضغط على عصب السياسة الإسرائيلية من خلال الانفجار الأمني المرعب، الانفجار القادر على تغيير مجرى الأحداث لصالح الشعب الفلسطيني.