من الواضح أن حكومة الاحتلال في ظل حالة عربية منهارة، مع وصول النظام العربي الرسمي إلى مرحلة "الانبطاح" الكامل، والانخراط في المشروع الأمريكي مباشرة لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تتقاطر دول ما يسمى "الناتو" العربي للمشاركة في ورشة البحرين الاقتصادية التي دعت إليها الإدارة الأمريكية من أجل تصفية القضية الفلسطينية وشطبها، باعتبار قضيتهم قضية مال ومشاريع اقتصادية وليست قضية وطن وأرض، فكوشنير صهر الرئيس المتصهين ترامب، وصلت به الوقاحة حد القول إن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم، دون أن يثير تصريحه أي رد فعل عربي.. تجليات السياسة الأمريكية والانهيار العربي يترجمهما الاحتلال الصهيوني بشن حرب شاملة على المقدسيين، حيث عمليات الطرد والتهجير القسري الجماعي، المعبر عنها بالتطهير العرقي، نجدها في منطقة واد الحمص في صور باهر، حيث خطر الطرد والتهجير يتهدد مائة عائلة مقدسية بهدم 16 بناية منها 11 تقع في المنطقة المصنفة (A) و 3 تقع في المنطقة (C) واثنتان تقعان ضمن المنطقة المصنفة (B). والحجج والذرائع القرب من جدار الفصل العنصري، وهذا يشكل خطرا أمنيا لا يمكّن الاحتلال من مراقبة المنطقة، ودخول عناصر أو جماعات من الضفة الغربية إلى القدس، قد تلحق الضرر بأمن دولة الاحتلال، والهدف الحقيقي لذلك هو شق طريق استيطاني يربط بين مستوطنتي "هار حوماه" أبو غنيم مع مستوطنة "معاليه أدوميم". والطرد والتطهير العرقي لا يقتصر على منطقة وادي الحمص، فهناك نفس المخاطر يتعرض لها سكان حيي واد ياصول وبطن الهوى في سلوان، والشيخ جراح وكبانية أم هارون.. وهي سياسة متدحرجة ومتواصلة لتشمل المزيد من الأحياء والمناطق الفلسطينية المقدسية، لتطال المناطق والأحياء المقدسية خارج جدار الفصل العنصري، حيث يتهدد خطر الهدم الجماعي والتطهير العرقي عشرات البنايات في منطقة قلنديا والمطار.
وفي إطار سياسة الاحتلال لتقسيم المقسم في مدينة القدس، وجعل كل حي من أحياء القدس وحدة اجتماعية منفصلة ومعزولة عن الوحدات الاجتماعية الأخرى، وُزِّعت عشرات الإخطارات بالهدم في العيسوية لإقامة ما تسمى الحديقة التلمودية التوراتية المسماة الحديقة الوطنية التي تفصل بين قريتي الطور والعيسوية. وسبق هذا القرار ما جرى في منطقة باب الخليل، حيث ضرب المنطقة "تسونامي" وكارثة حقيقية، من خلال بيع وتسريب عقارات باب الخليل ( فندقي البتراء والإمبريال) في باب الخليل وقصر المعظمية بالقرب من باب حطة لجمعية "عطروت كوهانيم" الاستيطانية. هذه العقارات التي تتحكم بمدخل البلدة القديمة وتشرف عليها، وتتحكم بالطرق المؤدية إلى جامع الخليفة عمر بن الخطاب ومدخل كنيسة القيامة، وتشرف على الطريق المؤدي إلى المسجد الأقصى، وبيت المعظمية قريب جداً من باب حطة الذي استهدفه الاحتلال وحاول السيطرة عليه، في معركة وضع البوابات الإلكترونية على بوابات المسجد الأقصى في تموز/2017، والاستيلاء على تلك العقارات وما سبقه من بيع وتسريب لبيتي جودة والعلمي في قلب البلدة القديمة، وبما يعنيه هذا ليس فقط تهويداً للمدينة، بل هو تفريغ للبلدة القديمة من القدس من الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، وتغيير وضعها القانوني والتاريخي ومشهدها العام، حيث نشهد تناقصاً حاداً في أعداد العرب المسيحيين فيها، وبالتالي هذا التسريب لا يشكل فقط إهانة لشعبنا الفلسطيني، بل وللحكومة الأردنية صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها. ولعل هذا مرتبط بالقرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ضمن ما تسمى خطة صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
ومن أجل تعزيز قبضة سيطرة الاحتلال على المدينة وحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصهيونية، بادر ما يسمى وزير الأمن الداخلي الصهيوني بتقديم مشروع قرار يمنع فيه أي شخص أو مجموعة فلسطينية من تنفيذ أنشطة وفعاليات في مدينة القدس، تتلقى الرعاية والتنظيم والتمويل من السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب الفلسطينية حسب زعمه، ويعاقب كل من يقوم بذلك بالسجن ثلاث سنوات، وهذا القرار العنصري ليس بالجديد، فقد شهدنا حرباً على كل مظاهر وأشكال السيادة الفلسطينية في المدينة، لتطال رفع العلم الفلسطيني وأنشطة ذات بعد اجتماعي إغاثي، حيث جرى في شهر رمضان الفضيل الاستيلاء على طرود غذائية للفقراء والمهمشين والعائلات المحتاجة ومصادرتها بحجة تمويلها الفلسطيني.