التطبيع عملية معاكسة لمسار المشروع الوطني، والتفاف عليه لترسيخ الاحتلال. إن الاحتلال يعاني من غياب الاعتراف بوجوده لدى الشعوب العربية والإسلامية والفلسطينية، وهذا يشكل هاجساً مرعباً للصهاينة بعد الفشل في صناعة هذا الوجود الطارئ بقوة السلاح بعد القبول الدولي من خلال الاعتراف بـ(اسرائيل) عام ١٩٤٧.
فكيف يشكل الفلسطينيون جسراً للعبور ليس على مستوى رسمي من خلال الاعتراف بدولة الاحتلال على مستوى رسمي إنما على مستوى شعبي من خلال ما حدث في بلدة دير قديس واللبن والتهاون هنا وهناك من بعض الفلسطينيين.
كل ذلك يهدف للاعتراف والإقرار بها من قبل الشعوب والتسليم والقبول بوجودها، وهي على يقين بدون تحقيق هذا الحُلم ستبقى عرضة للزوال لأن سلم التطور الحضاري يعمل لصالح العرب والفلسطينيين، فلا ينبغي للفلسطينيين أن يكونوا الثغرة التي ينفد منها.
إن حاجة الحلفاء لدعم هذا الكيان الاستعماري مجردة عن المصالح وغير ثابتة إلى الأبد، لذلك أرست دولة الاحتلال مفهوماً خاصاً بها للأمن القومي جعلته غامضاً، وعقيدة عسكرية مرنة نظراً لانغماسها في الدفاع عن كل شيء من أي شيء لفقدان الثقة بصنع الوجود والقبول من الشعوب، فلماذا هذه الاحتفالات أيها الفلسطينيون؟
لماذا هذه الأخطاء والإخفاقات ؟
ومن هو المسؤول؟
وأين الأجهزة الأمنية يا سلطة ...
هذه الحالة التي تمر بها دولة الاحتلال تحتاج لموارد بشرية ومادية كبيرة، ينهكها ويُعجز ميزانياتها في ظروف محددة قد تصطدم فيها مستقبلاً، فيصبح حجم التحدي عربياً وفلسطينياً كبيرا في المجالات العسكرية والأمنية، وقدرة تأمين الدعم من الحلفاء مقيداً في المصالح المشتركة ضعفاً وقوةً ولربما يعجز الحلفاء مستقبلاً عن تقديم هذه المساعدات الفلكية ..
نلاحظ في الآونة الأخيرة كيف أن "نتنياهو" يتحدث عن حجم اختراقات كبيرة، ويردد عبارات مخيفة عن حجم العلاقات التي تدور تحت الطاولة ومن خلف الكواليس أكبر بكثير مما نشاهد الآن، وكل هذه ربما تأتي في سياق سياسة إعلامية انتخابية لخدمة حرب نفسية توازي أهداف السياسة الخارجية المدعومة ترمبياً، والتي تقوم على تصفية القضية من خلال التطبيع ثم تنفيذ صفقة القرن ، بحيث يصبح التطبيع أمراً مسلماً به وحقيقة واقعة غير قابلة للنقاش ، بينما الصفقة تُنفذ والمفاوضاتمشروطة بحجم التنازلات التي سيقبل بها العرب من أجل تحقيق مصالحهم في مواجهة "إيران "على حساب الحق الفلسطيني في القدس واللاجئين والحدود.
إن هذه السياسة يُقصد منها تهشيم الموقف الرافض للتطبيع وإضعافه وكبح جماح القائمين عليه ، إلى جانب فتح الأبواب والمنافذ لاستسهال التواصل والاتصال مع هذا العدو على كل مستوى وفي أي مجال، وجعل عملية القبول والتسليم بوجوده أمراً قد تجاوز عملية البحث والحوار ...
علماً أن كل ما يحدث من محاولات هنا وهناك على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجماهيري في بعض دول الخليج وأماكن أخرى تدار بوساطة "الموساد" وتوجه من مخابرات أربع دول ولربما تزيد، وبعض المناصرين المدفوعين من الإدارة الأمريكية لهتك حجاب عملية الفصل ما بين الطهر والنجاسة عبر عملية تهويل مبرمجة، وما يصدر من بعض الفنانين والكُتاب الذين استُنطقوا توجيهاً من الموساد مباشرةً أو من ينوب عنه لنبدأ في ترديد مقولات لا تقل عن كاسحة الألغام وجرافات الD9 في تعبيد الطرق وفتح المسارات في كل الأبعاد والمجالات لتذليل العقبات وتشهيل العقول حتى تقبل بصنع الوجود لغدة سرطانية تهتك جسد الأمة .
إن الهدف من هذا بناء جسر يربط بين جنة الوطن والانتماء له ورفقة الشهداء، ومعايدة الجرحى واستقبال عودة الأسرى بعد الإفراج عنهم مع جحيم القبول بالاحتلال الذي يغتصب الأرض ويشرد الأهل ويتنكر لوجود الفلسطينيين، والاحتفال مع المستوطنين والتعامل معهم بأي شكل كان دون المقاومة ولغة الحراب.
إن التطبيع يعني القبول باغتصاب فلسطين واحتلالها ... والمشاركة بتشريد وقتل أهلها ، لا يقل ولا يزيد ، وهو محصور شاذ مُجَرَّم من كل الشعوب.