السياسة من الفعل "ساسَ" والذي يعني تدبير الأمر. وفق مفاهيم الإدارة المميزة، فإن التدبير الأمثل يقضي بتوظيف أقل الجهد والوقت والمال لتحقيق الأهداف المبتغاة بأقل الأضرار المصاحِبة. الثابت في هذه المعادلة هي الأهداف، والمتغير هو سائر العناصر. هذا يعني أن أي تقدير لحجم الجهد أو الوقت أو المال المبذول لتحقيق الأهداف لا يُقاس بكثرته أو قلته، بل بمدى تحقيقه الأهداف. فرب جهود ضخمة وأوقات طويلة وأموال كثيرة تُبذل في غير طريق الأهداف، فعند ذاك، لا يمكن القول إنه تم بذل الجهد الكافي، وأنها إرادة الله الذي لم يشأ بتحقيق تلك الأهداف، فإنما ذلك تأوُّلٌ على الله، لأن الأسلوب الخاطئ لن يؤدِّي إلى الطريق المنشود، والعكس صحيح؛ فالوسائل السليمة لن تؤدي إلى الهدف إن كان مخطئاً.
إن إسقاط هذا الفهم على واقع القضية الفلسطينية يوصلنا إلى الخلل الحاصل، الذي أدى إلى إطالة عمر الاحتلال منذ سبعين سنة. فجهود مئات آلاف المقاتلين من الجيوش العربية، والمقاومة الفلسطينية، وبتسليح هائل استنزف مليارات الدولارات، وعلى مدار سبعة عقود، لم يحقق أي إنجاز في القضية الفلسطينية، لأن الهدف لم يكن تحرير فلسطين؛ في الحقيقة والواقع. ولو وُظِّفت هذه المقدرات طوال هذا الوقت نحو تحرير فلسطين لتم ذلك منذ زمن بعيد بإذن الله. والعكس أيضاً صحيح؛ فإن جهوداً ضئيلة في وقت يسير وبأموال محدودة لن توصل إلى تحرير فلسطين إذا كان هذا هدفها، ذلك أن الهدف بحاجة إلى وسيلة مناسبة لتحقيقه.
إن الذين يقولون بأن السياسة هي فن الممكن إنما هم واهمون ويسعون خلف السراب، ويسترضون أنفسهم وذويهم بهذا القول المُضِلّ، إذ يدورون حول أنفسهم في ذات الحلقة المفرغة، فلا يحققون الأهداف، ويستهلكون القدرات. وإن العمل السياسي الحقيقي إنما يكون بتوظيف طاقات الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية وتوظيف أموالهم بالقدر الكافي وفي أقصر وقت وبأقل الخسائر لتحقيق هدف "تحرير فلسطين" بدون لفٍّ ولا دوران. إن دون ذلك ليس من السياسة في شيء، كما هو ليس من تحرير فلسطين في شيء.