نظن أن البدايات دائمًا جميلة، ولكنها نشوة الإنجاز وطعم النجاح الأول في كل مرة؛ فالبدايات لا تُنسى وتبقى عالقة في شِباك الذاكرة؛ تمامًا كبداية العام، كأول يوم دراسي من كل مرحلة، ومنهج الصف الأول، المقطع الأول من كل سورة نحفظها من سور القرآن الكريم، النجاح لأول مرة في كل شيء نتعلمه، الفرحة الأولى في أي شيء دائمًا مميزة، وإن لم تكتمل، حتى المولود الأول لكل عائلة له مكانته الخاصة، لأن البداية دائمًا مختلفة ومميزة، وإن كانت قاسية وصعبة أو محزنة وجافة، وهذا باعتقادي مرجعه إلى أن العقل يكون مستعدًا لاستقبال الأشياء الجديدة، وبهذا يهيئ لها مكانًا خاصًّا، تمامًا كصفحة جديدة في مذكرتك أو كراسة واجباتك؛ فإنها تكون بيضاء لا شِية فيها، ثم إذا وصلت إلى آخرها ستدرك الكم الذي امتلأ دون إدراكٍ منك.
ولا تدل البدايات دائمًا على النهايات، فلربما تستطيع إنقاذ نفسك في آخر لحظة، وكثيرًا ما يكسب أحد العدائين الذين لم نكن نتوقع فوزهم في اللحظة الأخيرة، أو يُسجل الهدف الفارق في الوقت الضائع، حتى بداية اليوم صباح مشرق تتغنى به العصافير، وآخره ليلٌ مظلم وساكن، البدايات لا تدل على النهايات.
عِش لحظاتك دائمًا ولا تحكم على المستقبل من الحاضر؛ فالثواني الأخيرة كثيرًا ما تدهشنا وتعطينا ما لم نتوقعه؛ فأحيانًا تنقذنا من مأزق، وأحيانًا يحصل العكس، بعض البدايات تطير بنا فوق غيوم الأحلام ثم تفاجئنا النهايات بخيبة الأمل.
البدايات إما أن تكون ثقب النور داخل الكهف، وإما أن تكون السراب في صحراء قاحلة، لكنه هذا هو الأمل، الأمل الذي يجعلنا نتحمس لكل بداية، فنقول حينها: "هذه المرة سأجتهد، سأكون أفضل من قبل"، وستجد النهايات أحيانًا تعلن هزيمة البداية، كما يعلن الموت هزيمة الحياة.
ليست البدايات مهمة بقدر النهايات؛ فجميعنا جئنا إلى هذه الدنيا بالطريقة نفسها، لكن لكل منا طريقة رحيل مختلفة؛ فلا خاتمة تشبه الأخرى، جميعنا نبدأ كل مرحلة دراسية على المقعد نفسه ونتلقى الدروس والمحاضرات نفسها، ثم ستجد أحدًا يفوق الآخر، وهذا الفارق -سواء أكان كبيرًا أم كان صغيرًا- قد تشكل في المنتصف.
ما بين البداية والنهاية في المنتصف لك أن تبذل جهدك ما شئت وما استطعت، المنتصف هو وحده ملكك دون البدايات والنهايات؛ فازرع لتحصد، واجتهد لتتفوق، وقاتل لتنتصر، وتفاءل لتتمكن من الوصول، واصل دائمًا لأجل خاتمة ترضاها.
في كل مرةٍ تسنح لك الحياة فرصة لتجديد حياتك، التقط هذه الفرصة جيدًا، لا بأس بقليلٍ من الفوضوية بين بعض الفترات، ولكن حاول دائمًا تنظيم نفسك والبدء من جديد، امنح نفسك أمل البداية ودع طاقة التفاؤل تتغلغل داخلك، فتزيدك بهجة وتكون لك متكأ في كل انكسار، ومِظلةً تحت الأمطار والعواصف الشديدة؛ لأنها –لا شك- ستهدأ في نهاية المطاف.