يبدو أن عرّاب صفقة القرن، جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقتنع بإمكانية المضي في تنفيذها، على الرغم من العقبات التي تظهر أمامها تباعًا، إذ لا يزال من المقرّر أن تضيف البحرين بعد أسبوعين (25 و26 حزيران (يونيو) الحالي) مؤتمرًا يفترض أن يدشّن الجانب الاقتصادي في الصفقة.
ويباشر كوشنر عملية ترويج الصفقة لدى الأطراف الدولية المعنية برعايتها ودعمها، كما لو كان الطريق أمامها معبّدًا، ولكن هذه الروح المتفائلة لا تملك أي معطيات حقيقية، تشير إلى قرب إبرام صفقة القرن، فضلًا عن نجاحها، فالوضع الإقليمي يعاني هشاشة وتوازنًا حرجًا قابلًا للانهيار في أي لحظة، خصوصًا أن المشاكل متشابكة ومتصلة، عبر فاعلين نافذين في الإقليم مثل إيران، أو بحكم تداخلات جيواستراتيجية كما بين ملفات سورية ولبنان والعراق، وكذلك الوضع في اليمن مع الخليج والقرن الأفريقي والبحر الأحمر.
حاولت واشنطن تهدئة هذه الأوضاع، وبذلت جهدًا إضافيًّا في العمل على تجنّب ألغام كامنة على طريق الصفقة، فراحت تدفع بقوة نحو تهدئة الموقف في سورية، وأخذت تضغط ظاهريًّا على إيران، لتستصدر منها موقفًا إيجابيًّا، أو على الأقل محايدًا، وباشرت ضغطًا قويًّا على جناحي الجانب الفلسطيني، فاستخدمت الأداة المالية والاقتصادية للتضييق على السلطة في الضفة، ولجأت إلى القصف والحصار لتليين مواقف حركة حماس في غزة.
الاتجاه الوحيد الذي لم يبذل الأميركيون جهدًا في تأمينه وضمان تقبله الصفقة الكيان نفسها، إذ يبدو أن كوشنر وعرابي الصفقة بالغوا في الاطمئنان إلى وضع نتنياهو الداخلي، وقدرته على تجاوز الانتخابات، وتأمين موقف داخلي داعم له لخوض المرحلة الجديدة، لكن المفاجأة وقعت، وخرج نتنياهو من الانتخابات بنتيجة "لا خاسر ولا كاسب"، وهي نتيجة مربكة وغير حاسمة، وتفتح الباب أمام كل الاحتمالات، ليس فقط داخل الكيان، ولكن أيضًا في المنطقة عمومًا.
عمليًّا، لا يمكن التفكير في فعل أي شيء قبل شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إذ سيجري الكيان انتخاباته منتصف أيلول (سبتمبر)، وسيستغرق تشكيل الحكومة أيامًا وربما أسابيع، هذا بافتراض أن نتنياهو نجح، هذه المرة، في تأمين أغلبية كافية لخوض الصفقة، من دون الحاجة إلى تحالفات تقيده.
وما إن يخرج الكيان من مرحلة الانتخابات وتشكيل الحكومة، حتى تبدأ الولايات المتحدة عام الانتخابات الرئاسية، بما يعنيه ذلك من بداية رسمية للحملة الانتخابية، وتركيز رسمي وإعلامي على الملفات الداخلية التي تمثل جوهر العملية الانتخابية، ومحور اهتمام الناخب الأميركي، في حين تتراجع القضايا الخارجية خطواتٍ إلى الوراء.
وعادة، يتجنب مرشحو الرئاسة الأميركية التركيز على القضايا الخارجية، ليس فقط لعدم اهتمام الناخبين بها، ولكن أيضًا خشية تلاعب المنافسين بمعطياتها واستغلالها انتخابيًّا، خصوصًا أن مواقف أميركية رسمية كثيرة قد لا تكون مقنعة للداخل، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، إذ لا يعلم الأميركيون عنه إلا القليل، وتلعب اللوبيات وجماعات المصالح وثيقة الصلة بالكيان دورًا خبيثًا في ابتزاز كل المرشحين المتنافسين على البيت الأبيض، وهو ما يحد كثيرًا من فرص المناورة والحركة أمام المرشحين من خارج البيت الأبيض، وأيضًا الرئيس المرشح الذي يسكنه فعليًّا.
إذن، لا فرصة حقيقية للشروع في ترتيباتٍ إقليمية مهمة، قبل الانتخابات الأميركية. أي أن الصفقة مؤجلة عامًا ونصف العام على الأقل، هذا بافتراض أن نتائج انتخابات الكيان ستكون مواتية، وهو أمرٌ فيه نظر، مع اتجاه المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين، وتنامي قوة ائتلافات القوى الدينية مع الأحزاب اليمينية، أيضًا المقاربة الأميركية في سبيل التحضير للصفقة ركزت على إنهاك المنطقة، لكي تتقبل الصفقة، وما تتضمنه من ترتيبات فرعية للخروج من الوضع القائم، وهو وضعٌ غير متماسك ومرشّح للانهيار، وربما للانفجار، بشرارةٍ هنا أو خطأ هناك.
العربي الجديد