فلسطين أون لاين

الأسرة الفقيرة تأمل مشروعًا يوفر لها حياة كريمة

المرض والفقر يأسران "أبو بيض" في سجن "الذل" 15 سنة

...
العائلة تعيش في بيت إيجار
غزة/ خضر عبد العال:

يعيش الثلاثيني محمد أبو بيض وعائلته الصغيرة في أقسى صور الذل والمهانة، لكونه لا يستطيع توفير (300 شيكل) شهريًّا لدفعها بدل إيجار البيت الذي يستر عائلته، بعد أن أجبره المرض على ترك العمل الشاق.

أبو بيض (39 عامًا) متزوج ولديه بكر (15 عامًا)، وحمود (13 عامًا)، وبنتًا تزوجت حديثًا، كان يعمل وهو في سن الرابعة عشرة في مجال قصارة جدران البيوت، ويعطي والده راتبه كاملًا، ويأخذ منه مصروفه الشخصي.

تزوج في سن العشرين وعاش في بيت والده 4 سنوات، وبعدما كبرت عائلته اضطر إلى استئجار منزل بسيط، وكان يسدد تكاليف الإيجار مما يتلقاه من عمله المتعب، حسبما قال لـ"صحيفة فلسطين".

وفي عام 2013م فقد "أبو بيض" وعيه في أثناء العمل وغشي عليه ليسقط أرضًا، ونقل إلى المستشفى ليبدأ فصل معاناة جديد، حيث اكتشف الأطباء أن لديه مشكلة في صمام القلب الميترالي، غير ضغط الدم والسكري، وقرروا إجباره آنذاك على ترك عمله للمحافظة على صحته.

وعقب على هذه الحادثة قائلًا: "عندما أجبرني الأطباء على ترك العمل كأنهم فرضوا علي الإقامة الجبرية في سجن الحياة المتعبة، فكنت أوفر بعض الشيء من إيجار ومصروف وطعام للعائلة، أما الآن فلا أستطيع توفير ذلك كله".

"كل يومين 20 شيكلًا"

ونظرًا لقسوة الأوضاع التي يحياها "أبو بيض" اتفق معه صاحب البيت الذي يستأجره على تسديد مبلغ بدل إيجار (300 شيكل) على دفعات يومًا بعد الآخر 20 شيكلًا، السؤال هنا: كيف سيسددها ولا يوجد له أي مصدر دخل؟!

وذكر أن زوجته تذهب يوميًّا لتخدم أمها المريضة وتأخذها لبيت الحكمة وتساعدها في أعمال المنزل، وأحيانًا تعطي الأم ابنتها 20 شيكلًا يدفعها لصاحب المنزل مباشرةً، وأحيانًا أخرى لا تعطيها؛ فتتراكم الديون على زوجها.

وقبيل بداية شهر الخير رمضان الكريم، تراكم على "أبو بيض" مبلغ 500 شيكل بدل إيجار للبيت الصغير المكوّن من غرفة له ولزوجته، وصالون صغير ينام فيه الأولاد، ومطبخ ودورة مياه، لا تكاد تتوافر بهما مقومات الاستخدام الصحي، ولا يوجد به أثاث سوى 4 فرشات وأغطية لأفراد العائلة.

وبعد ظهر ذلك اليوم، جاء صاحب البيت يطرق الباب ويقول: "اطلع يا محمد بدي أوقعك على كمبيالة بالمبلغ المتراكم عليك، وتفضي العفش، وأطردك أنت وعيلتك برا".

خرج أبو بيض، ولا يدري كيف سيواجه ذاك الرجل العصبي، وأخبره أنه لا يملك أي شيء، حتى إن عائلته لم تفطر بعد، فرد عليه: "أنتو كذابين، يلا اطلعوا من البيت"، فإذا رجل من أهل الخير يمر بالطريق فسأل عن المشكلة وشرح له محمد الأمر، فأخرج 20 شيكلًا، وقال لصاحب البيت: "اتركه وشأنه".

وأوضح أنه لا يوجد له مصدر دخل إطلاقًا، ويأكل مما تمنحه لهم وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) من "المؤن"، ولم يستفد من المنحة القطرية، مشيرًا إلى أنه تلقى "شيك" من الشؤون الاجتماعية مرة واحدة فقط.

وتابع قائلًا: "الحمد لله، 15 عامًا معاناة وذلًّا، صاحب الدار ما بتحمل، وسرعان ما يهددنا بالطرد".

"توفير حياة كريمة"

ولفت أبو بيض إلى أنه مر بحالة غاية في الصعوبة، حيث كانت زوجته وابنتها عند بيت أهلها بسبب الأوضاع الصعبة، وحالته النفسية تعبانة، فاضطر ولداه حينها إلى ترك الدراسة لكون وضعهم المادي تحت الصفر، ولا يتوافر لديه مال لإعطائهما مصروفًا ولا اشتراء ملابس أو دفاتر مدرسية، كما قال.

وبين أنه لا يريد مساعدة مادية تنتهي بعد مدة وجيزة، قال: "بل أريد من أهل الخير توفير مشروع محترم أشتغل فيه مع أولادي، علشان ما نحتاج ونذل حالنا للناس، بحيث يدخل علينا رزقة دائمة، ونقدر ندفع منه إيجار البيت ونعيش من وراه".

"أمنيتي الأولى أن أرتاح من ذل الناس (اللي طردنا واللي حجز عفشنا)، وإذا فاعل خير يريحنا من الإيجار ويكسب أجر فينا، يدفع لنا إيجار البيت مدة عام كامل، وخلال العام يخلق الله ما لا تعلمون، ويكون لنا باب رزقة، فنستطيع توفير إيجار جديد".

وخلال اللقاء سمع مراسل "فلسطين" نحيب زوجة أبو بيض -وتدعى أم بكر- التي قالت بعد بكاء طويل: "الواحد نفسه يعيش زي الناس، بدي أهل الخير يساعدونا في شغل كويس لزوجي وأولادي لنقدر نحصل إيجار البيت، تطلّع بعينك، لا فيها غسالة ولا ثلاجة ولا غاز ولا أي شيء، بس فرشات على قدنا".

وتتمم حديثها: "زي ما إنت شايف، هلقيت قاطعة الكهرباء يعني حنضل بالجوع لحد جيتها، ولما تيجي الكهرباء بأطبخ على طنجرة الكهرباء".