فلسطين أون لاين

المزارع قديح.. فلاحة وحصيدة وصيام تحت الرصاص وقنابل الغاز

...
صورة تعبيرية
غزة/ مريم الشوبكي:

في الخامسة فجرًا يتجه خالد قديح نحو أرضه، يحرث ويحصد ويروي مزروعاته حتى مغيب الشمس، يعود إلى منزله ليتناول طعام الإفطار مع عائلته، لا ينقطع يومًا عن تفقدها ويخاطر بحياته لأنها لا تبعد سوى 100 متر عن السياج الحدودي لبلدة خزاعة شرقي خان يونس، جنوبي قطاع غزة.

قبل أيام استبشر قديح بحصيدة القمح والشعير التي سيتمكن بها من سداد الديون المتراكمة عليه، ولكن الوصول إليها يتطلب المجازفة بحياته، لذا قرر الاحتماء بلجنة الصليب الأحمر الدولية لتحميه من أي رصاصات يطلقها جندي إسرائيلي لا يقيم وزنًا لأي قوانين حقوق إنسان.

قديح البالغ (35) عامًا يروي تفاصيل يوم رمضاني يعيشه مزارعًا على الحدود: "قبيل بدء رمضان بشهر زرعت الخضار التي يزيد إقبال الناس عليها، من فجل، وجرجير، وبقدونس، وبامية، وبطيخ، وشمام، ولوبياء، وبنجر، وفقوس، كوسا، وبروكلي".

ويضيف لـ"فلسطين": "في رمضان أذهب في الصباح الباكر إلى ري المزروعات وحصد المحاصيل وبيعها في السوق، لأنها المصدر الوحيد لرزقي ورزق عائلتي المكونة من عشرة أشخاص، وأنهي عملي قبيل أذان المغرب، وفي بعض الأحيان يؤذن وأنا في طريقي إلى البيت، فهو الشهر الوحيد الذي أشاركهم فيه مائدة الإفطار".

يمتلك قديح دونمين ونصف، ويزرعها بالخضار، ويستأجر عشر دونمات شرقي بلدة خزاعة، ويزرعها بالقمح والشعير والعدس، وفي شهر أيار (مايو) يحين موعد حصادها.

وخلال يومين متتالين دهم قديح الخطر في أثناء الحصيدة، يذكر أن الدونمات التي يستأجرها قريبة من السياج الحدودي، وغالبًا ما يطلق الاحتلال الرصاص تجاهه رغم وجود لجنة من الصليب الأحمر ترافقه.

ويصر قديح على مواصلة الذهاب إلى أرضه وحصاد محاصيله رغم الخطر المحدق به في أي لحظة، يضيف: "لكن لأن لقمة العيش مغمسة بالدم لابد من المجازفة، خاصة أن لا سبيل أمامنا سوى محاصيل الأرض التي هي مصدر الرزق الوحيد، فليس لي وظيفة أو عمل آخر".

ويشير إلى أنه في نهار رمضان في أثناء حراثته الأرض أكثر من مرة يطلق صوبه قنابل غاز جنود الاحتلال، الذي يتمترسون خلف السياج الفاصل؛ فتضاعف مشقة الصيام، إذ يصاب بالدوار والعطش والصداع المستمر حتى نهاية اليوم.

والدا قديح مزارعان في الأصل، فوالده تجاوز 85 عامًا، ووالدته تجاوزت 70 عامًا، ورغم الكبر ومشقته روحاهما لا تزالان معلقتين بالأرض، فيصران على مرافقته إلى الأرض لمعاونته والإشراف على العمل.

يقول: "أحاول أن أثني والدي عن مرافقتي رأفة بحالهما: كبر في السن وصيام ومشقة الوصول إلى الأرض، ورصاص وغاز يرمى علينا في أي وقت، ولكن تذهب محاولاتي أدراج الرياح وأرضخ في النهاية لطلبهما".

ويتابع قديح: "يمسك والدي الفأس ويبدأ حراثة الأرض، وإزالة الحشائش الضارة، وري المزروعات، ويردد دائمًا أنه متعود الحركة والنشاط ولن يجهد، فالخلود إلى الراحة هو ما يجلب الوجع والمرض للإنسان".

فقدان الحياة يضعه قديح في حسبانه، ولكن لا يستسلم لهذا التفكير، لأن أمامه متطلبات حياة يجب أن تلبى، وأسرة تنتظر دخلًا، وديونًا، وقروضًا تحتاج إلى سداد، وإلا فالسجن سيكون مصيره في حال ترك الأرض وفلاحتها، بحسب قوله.

ويلفت إلى أن لديه تعويضات عن أضرار لحقت بأرضه تبلغ 130 ألف دولار، لم يتلق منها أي مبلغ، وأن تدهور الوضع الاقتصادي أثر على القوة الشرائية للمحاصيل الزراعية، ما ألحق به خسائر كبيرة ساهمت في تأزم وضعه المادي، مناشدًا الجهات الحكومية والدولية مساعدته على سداد ديونه وإنقاذه من السجن بعد شهر رمضان، في حال لم يتمكن من توفير المبلغ المطلوب لذلك.