فلسطين أون لاين

سعيًا لتوفير لقمة عيش

"عمالة الأطفال" تزداد بأسواق غزة في رمضان

...
غزة/ خضر عبد العال:

يغدو الطفل أسامة بعلوشة من بيته صباحًا إلى مدرسته ويغادرها ظهرًا مثل باقي أقرانه، لكنه يختلف عنهم في أشياء كثيرة، فإنهم يعودون لبيوتهم ويأخذون قسطًا من الراحة ويواصلون حياتهم الطبيعية، أما هو فيذهب مباشرةً إلى حي الرمال وسط مدينة غزة حيث يعمل بائعًا.

بعلوشة البالغ من العمر (14) عامًا ويقطن في حي الشيخ رضوان شمالي المدينة يبيع قطعًا من ملابس الأطفال والشباب مقابل مبالغ مالية زهيدة، على بسطة يملكها شخصًا ويعمل الطفل لديه.

ويبدأ وقت عمله قبيل الظهيرة وينتهي نحو الساعة 11 وأحيانًا 12 ليلًا، وعلى هذا الحال منذ نحو سنتين.

ويقول الطفل لصحيفة "فلسطين": "أعمل في هذا المجال من أجل مساعدة والدي في أعباء وتكاليف مصاريف البيت".

واضطر بعلوشة إلى العمل لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرت والده الذي كان يعمل خياطًا على ترك عمله، بعد اشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع.

ولدى سؤاله عن أوضاع البيع والشراء يبين أن الوضع الحالي أسوأ بكثير من المدة الماضية، متابعًا: "في رمضان الماضي وما قبله كانت الحركة الشرائية ممتازة، وكان الوضع الاقتصادي أفضل".

ويلفت إلى أن قطع رواتب موظفي السلطة ضمن الإجراءات العقابية على أهالي القطاع أثر كثيرًا في الحركة الشرائية، مضيفًا: "قبل سنتين كان البيع أفضل بكثير، واليوم الواحد يدوب يبيع قطعة أو تنتين".

ويأمل بعلوشة تحسن الأوضاع الاقتصادية في شهر رمضان الفضيل بقوله: "إن شاء الله ربنا يوسع علينا وعلى الجميع، والأرزاق في إيده".

ولعل بضعة شواكل يحصّلها الطفل بعلوشة تنسيه آلام المشقة والتعب التي يجدها في أثناء ممارسة عمله، بعدما يرجع إلى بيته حاملًا معه ما تطلبه والدته أو والده من الأغراض التي تحتاج لها العائلة.

انتشار واسع

ولا يخفى على أحد إقبال عشرات الأطفال في قطاع غزة على العمل في الأسواق خلال المواسم، وأبرزها شهر رمضان الفضيل، لسد حوائج عائلاتهم، وعدم الاضطرار إلى سؤال الآخرين والتسوّل.

فهذا الطفل عليان مريش يقطن في حي النفق بمدينة غزة، يدرس في الصف الثامن في مدرسة اليرموك الأساسية قرب منزله، ويعمل بائعًا متجولًا بين السيارات التي تنتظر على مفرق السرايا وسط المدينة.

ويقول مريش الذي يبلغ من العمر (13 عامًا) لـ"فلسطين": "أعمل في كل الأوقات في رمضان وغير رمضان، أبيع البسكويت هنا على مفرق السرايا، ولكن في رمضان أصير أبيع مناديل ورقية، وأغلفة هويات، وبالونات للأطفال".

ويعمل هو وشقيقه الذي يصغره بعام معًا في هذا المجال من أجل توفير مصروف للعائلة، المكونة من تسعة أفراد: 4 إناث و3 ذكور والوالد والوالدة، يتابع: "أنا وأخويا نبيع حتى نوفر مصروف لأخواتي اللي يذهبن للمدرسة، خصوصًا اللي في التوجيهي، وأخويا الأصغر عشان مصروف الروضة".

ويحصّل مريش نحو (10-15 شيكلًا) يوميًّا، ويعطيها لوالده الذي يوزع عليهم مصروفهم اليومي، مشيرًا إلى أن والده صاحب مرض ولا يستطيع العمل.

ويعود الأخوان إلى منزلهما بعد غروب الشمس، حاملين بعض الأغراض التي طلبتها والدتهما.

ويضيف: "بعد الانتهاء من العمل نذهب إلى البيت ونستحم، ونتناول طعام العشاء وننام، استعدادًا لليوم التالي، وهكذا".

وبعد يوم عمل شاق، يثني الوالد على عمل طفليه كل مساء بقوله: "الله يعطيكم العافية، ويرضى عليكم".

ويجيب محمد البالغ من العمر (19 عامًا) عن سؤال مراسلنا عن رأيه في "عمالة الأطفال" فيقول: "كل الأطفال اللي زي عليان أكن لهم كل الاحترام والتقدير، لأنهم حريصين على بذل الجهد لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، بدلًا من التسوّل وسؤال الناس".

ويضيف: "هؤلاء الأطفال بدهم يعيشوا ويستروا أهاليهم، دون إذلال أنفسهم للآخرين وسؤالهم، ربنا يوفقهم ويعطيهم".