دون فزع مقيت ينشغل الناس في الشارع الغزاوي بالسؤال: هل هنالك جولة من التصعيد أم نحن ذاهبون في اتجاه التهدئة؟
وفق قراءتي للواقع فإن الهدوء هو سيد الموقف، رغم تصريحات قادة الكيان عن حسم المعركة، وعن ضرورة تصفية المقاومة، وعن القدرة على احتلال غزة، وعن ضرورة تغيير المعادلة القائمة. الهدوء هو سيد الموقف، رغم تصريحات قادة التنظيمات الفلسطينية المقاومة عن الجاهزية، ورغم حالة الشد والانتباه التي يعيشها الناس في غزة، ويعيشها الغاصبون في محيط غزة، الهدوء هو سيد الموقف رغم تباطؤ العدو الإسرائيلي في تطبيق ما تم التفاهم حوله بعد آخر جولة تصعيد فرضت معطياتها على الميدان.
فلماذا سيكون الهدوء سيد الموقف في المرحلة القادمة؟
لم يكن الاهتمام الإسرائيلي بنجاح مهرجان الأغنية هو السبب في الطلب الإسرائيلي للتهدئة، ولم يكن انشغال نتنياهو في تشكيل الحكومة هو السبب، كما لم تكن الاحتفالات الإسرائيلية بذكرى قيام الدولة هي السبب، وكذلك لم يكن السبب في طلب الإسرائيليين للتهدئة هو الانشغال بالأعياد اليهودية قبل أسبوع، ولم يكن السبب هو الانشغال بالانتخابات الإسرائيلية قبل شهر كما يقولون، كل تلك الذرائع التي يروجها البعض تهدف إلى التغطية على العجز العسكري أمام الجمهور الإسرائيلي أولاً، ثم إيهام المجتمع الفلسطيني بقدرات إسرائيل، وامتلاكها الخيارات، ولكنها تؤثر تمرير المرحلة الراهنة، كي تكسر عظم أعدائها في المرحلة القادمة.
وفق قراءتي للواقع، فقد حسم الفلسطينيون برجال المقاومة المعركة مع عدوهم منذ نوفمبر العام الماضي، حين انطلق من غزة أكثر من 500 صاروخ في غضون 24 ساعة، غطت سماء إسرائيل، وأربكت الحياة المدنية، وتسببت في استقالة ليبرمان من وزارة الحرب.
في ذلك الوقت الذي وافقت فيه إسرائيل على وقف إطلاق النار بتدخل مصري نهاية عام 2018، لم يكن هنالك انتخابات، ولا مهرجان اليورو فيجن، ولا احتفالات بالأعياد اليهودية، ولا مشاورات تشكيل الحكومة، ولا احتفالات بذكرى قيام الدولة الغاضبة، ومع ذلك فقد تحقق وقف إطلاق النار في الميدان، لسبب يرجع إلى العجز العسكري الإسرائيلي عن حسم المعركة.
وسيظل الهدوء هو سيد الموقف، وستظل إسرائيل تنتظر فرصتها في اختراق أمني لصفوف المقاومة، أو فك شيفرة الصواريخ، أو اختراق شبكة الأنفاق، وقد تنتظر إسرائيل فرصة تركيب أجهزة تجسس على اتصالات المقاومة، وقد تنتظر إسرائيل فرصة تآكل الجبهة الداخلية في غزة، مع تحريض الناس ضد المقاومة، وقد يكون هناك أسرار أخرى لها علاقة بما يرتب من عدوان ضد إيران، إنما الواقع الراهن يقول: إسرائيل عاجزة مشلولة، ويد المقاومة هي العليا.
وإلى أن تحدث مفاجأة هنا أو هناك، فإن التهدئة هي سيدة الموقف، وهي الأقرب للواقع، والالتزام الإسرائيلي بشروطها هو الملاذ الأخير لعدم الانفجار الذي سيؤذي المستوطنين الصهاينة بشكل لا يقل عن الضرر الذي سيلحق بأهالي غزة.