فلسطين أون لاين

يفتقد أفرادها "لقمة" عيش تسدّ رمقهم

بيت متهالك لا يصلح للاستخدام الآدمي يأوي أسرة غزِّية بأكملها

...
غزة- خضر عبد العال

لن يصدق من يرى ذلك المنزل عن كثب أن عائلةً فلسطينية تقطن داخل أروقته المتهالكة بفعل عوامل الزمن، حيث إنه سيعيد النظر مرةً تلو الأخرى وسيبقى متعجبًا من تلك المشاهد.

داخل زقاق في منطقة جباليا البلد شمالي قطاع غزة، دلفت خطوة إلى المكان الذي يسمى منزل وتراجعت أخرى بعدما دهشت من المنظر، كون المكان لا يصلح للعيش الآدمي، حتى خرج رب العائلة ورحّب بي، ثم قال: "تفضّل من هنا".

درجٌ متهالك الأحجار، بلا حماية، ومكشوف من كل اتجاه، وشرفةٌ صغيرة معلّقٌ فيها ملابس بالية، واجهة ذلك المنزل المكوّن من غرفة واحدة ودورة مياه ومطبخ صغير لا يوجد بهما أدنى مقومات الاستخدام الصحي، بالإضافة إلى غرفة جدرانها سوداء كونها تستخدم لإشعال النار والطبخ.

يعيش المواطن محمود إبراهيم دامو (47 عامًا) مع زوجته وأولاده التسعة في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها (4*5) مترًا منذ حوالي 15 سنة، ولا يوجد بها إنارة أو منفذ هواء سوى نافذة صغيرة بالكاد تسرب بعض ضوء النهار للعائلة.

يسقط الضوء من النافذة على سرير حديدي لمولود يبكي من الجوع أو الحر، إلى جانبه 4 فرشات فوق حصيرة، وعليهما مسندان، وفي زاوية الغرفة، أغطية الشتاء مصفوفة، وفي الزاوية الأخرى ما تبقى من كابونة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين أونروا "مؤن" التي حصل عليها الشهر الماضي.

ما سبق كان وصفا لما شاهده مراسل "فلسطين" أثناء إعداده قصة إنسانية، حول العائلة المستورة وما يحتويه بيتها من أثاث وأدوات منزلية، والتي عدّت نفسها في عداد "المنسيين" من أهالي قطاع غزة.

يروى دامو فصول معاناته المستمرة منذ أكثر من (16 عامًا)، فيقول: "عشت وزوجتي فترة حياتنا الأولى في غرفة داخل بيت العائلة، وبعد 3 أعوام اضطررت للخروج لأسباب عائلية، واستئجار منزل بسيط".

وكان يسدّد المبالغ المالية بدل الإيجار، مما يحصله من عمله في نقل المواد الخام عبر حصان له، قبل أن يموت منذ حوالي ست سنوات.

"سامحني يمّا"

الزوجة باسمة دامو (43 عامًا) تضم طفلها الصغير ساجد (8 شهور) لحضنها، وتطلب منه السماح قائلة: "سامحني يمّا جبتك على هذه الدنيا تعيش مع أخوتك نفس المعاناة والحياة الصعبة مش لاقيين حاجة، شو بدنا نعمل أمرنا لله".

تضيف الأم بعدما استرجعت: "والله أولادي صعبانين عليّ، لأنهم لا يجدون فرصة عمل ولا حتى مصروف شخصي، وأحيانًا كثيرة لا يجدون الطعام، طيب أنا مش قادرة أوفر لهم أكلا وشربا كيف بدو يكون مستقبلهم؟!".

بصوت يرتعش بعد تنهيدة حزن طويل، تُقسم الأم أنها أصبحت تشرد من أولادها الذين يطالبونها بتوفير الطعام لهم، مردفةً: "أولادي الصغار صاروا بدهم يضربونني لأن الجوع أكل بطونهم أكل".

وكثيرًا ما يطرح الأولاد على أمهم الصابرة، أسئلة غريبة، أبرزها: "ليش احنا فقراء؟، وليش ما عنا بيت ملك؟ وليش هدول الناس عندهم بيت وأكل وشرب واحنا ما عنا؟"، وتردّ الأم أن هذه قسمة الله يجب أن نحمده عليها ونصبر لعله يرزقنا من أوسع الأبواب.

وتشفق الأم على أبنائها المساكين الذين يطالبونها بالمصروف اليومي كأصدقائهم من الجيران، ولا تجد ما تعطيهم، حتى أنها لم تستطع توفير دفاتر دراسة لأبنائها الطلبة.

وتصف الأم الحياة التي تعيشها بالكئيبة كونهم لا يكادون يحصلون لقمة يسدون بها جوعهم.

وعن معاناة فصل الصيف، تكون الغرفة شديدة الحرارة، ولا تتحمل العائلة الجلوس فيها، فتخرج لواجهة المنزل في الشرفة فيكون بانتظارها الحشرات، ثم تعلّق الأم: "وين نروّح؟ لمين نشكي؟ الشكوى لغير الله مذلة".

وفي فصل الشتاء تبدأ معاناة جديدة مع العائلة، حيث يدلف سقف الغرفة ماء المطر ملاحقًا أفرادها من كل اتجاه، أما غرفة الطبخ فتكون عبارة عن بركة مياه كبيرة.

ويستذكر الأب خلال الشتاء الماضي أنه كان يجري من مكان لآخر من أجل توفير "لقمة مجدرة لأهل بيته ولم يستطع".

ونتيجة هذه الأوضاع المعيشية السيئة أصيبت الأم بحالة نفسية صعبة، فتجدها أحيانًا تريد الجري دون وعي، كما يقول.

"حياة كريمة"

وتتمنى الأم من أهل الخير النظر بعين الرحمة لأبنائها ومساعدتها في توفير بيت آمن يكون إيجاره قليل، وتوفير فرص عمل لزوجها وابنها الأكبر إبراهيم (19 عامًا) الذي لم يستطع اصدار بطاقة هوية تعريفية بسبب عدم توفر رسومها.

وحول آلية سداد مبالغ بدل الإيجار، أوضحت الأم أن زوجها بمجرد استلامه شيك الشؤون الاجتماعية كل خمسة شهور، يصرفه ويعطيه لصاحب المنزل بدل إيجار عن الفترة الماضية وهكذا.

وبالعودة لرب الأسرة الذي يوجه رسالة لأهل الخير، فيقول: "موجود في غزة أهل خير كثر، لكن احنا مش قادرين نوصلهم، أناشدهم يساعدوننا بسداد دين الدكان المجاورة التي منعتنا من السحب لأننا فقراء، بقيمة 1000 شيكل".

ويضيف دامو: "أطالب أهل الخير أن يأتوا لصاحب الدكان ويسلكوه معه، لأنه المرة الماضية كسف ابني ورفض يعطيه قلن المية الحلوة (1 شيكل) بسبب تراكم الديون".

وتمّم حديثه: "أنا وزوجتي ما ضلّ في عمرنا بقدر ما مضى، وما بدنا شيء سوى توفير حياة كريمة لأبنائنا، ولقمة عيشهم وبيت يسترهم ويحميهم من حرّ الصيف وبرودة ومطر الشتاء".