فلسطين أون لاين

هل جولة النار العاشرة مع (إسرائيل) هي الأخيرة قبل الحرب؟

طويت صفحة جولة النار العاشرة من الجولات التفاوضية بين غزة و(إسرائيل)، جولة تميزت بسخونتها أكثر من سابقاتها، لكنها لم تكن تحمل في طياتها من المطالب الكثير سوى مطلب واحد لم يتجاوز الدعوة إلى تطبيق ما تتهرب منه (إسرائيل) وتم التفاهم عليه فيما مضى برعاية مصرية، أضف إلى ذلك سعت المقاومة عبر هذه الجولة إلى تثبيت قواعد الاشتباك التي فرضتها بشكل تدريجي خلال الفترة السابقة.

دوافع وحيثيات الجولة

كانت الشرارة في هذه المرة بعد أن أصابت رصاصة أو رصاصتان من بندقية قناص فلسطيني ضابطا ومجندة كانا ضمن مجموعة من الجنود على حدود قطاع غزة، جاء ذلك كرد على إصابة فتاة برصاص قناص في جيش الاحتلال، على الفور استهدفت طائرات الاحتلال موقعاً تابعاً للمقاومة، مما أدى إلى ارتقاء شهيدين من عناصر كتائب القسام.

لم تمضِ ساعات على ذلك حتى أعلنت غرفة العمليات المشتركة -التي أدارت الجولة بطريقة مدروسة ومخطط لها بعيدة عن العشوائية- عن أحقيتها في الرد، وبدأت بإطلاق رشقات صاروخية مكثفة تجاه المدن والمناطق المحتلة عام 48، أما على الجانب الآخر فكانت مدفعية الاحتلال وطائراته تستهدف مواقع التدريب ونقاط الرصد التابعة للمقاومة على طول الحدود مع غزة.

من ثم تدحرجت الأحداث بصورة سريعة جداً لكنها بقيت مضبوطة نوعاً ما، و بدا الاحتلال فاقداً كل خياراته أمام غزة، لذلك لجأ الاحتلال إلى استخدام استراتيجية "عقيدة الضاحية" بصورة مصغرة محدودة في محاولة للحد من قصف المقاومة وخلق نوع من إعادة الحسابات لديها، وفشل في مبتغاه الرامي لإيقاف القصف، استمر هذا الحال على ذات المنوال حتى منتصف الليلة الفائتة، حينما بدأت التسريبات تتحدث عن نجاح وقف لإطلاق للنار يتسم بأنه هش للغاية لم يتم الإعلان عن تفاصيله بشكل رسمي حتى اللحظة بين الطرفين.

مميزات الجولة

بدأت المقاومة باستهداف مناطق غير اعتيادية كانت تستهدفها مسبقاً في وقت متأخر في المواجهات مثل عسقلان وأسدود، بمعنى أنها بدأت الجولة من بقعة زيت واسعة مهددة بأنها آخذة بالاتساع شاملة مدناً أخرى في حال لم يرتدع الاحتلال، ويأتي ذلك في إطار استراتيجية "المفاجأة" المتبعة في الحروب.

كان من الملاحظ دقة الصواريخ التي تمتلكها المقاومة من حيث الإصابة، ونوعية الأهداف، حيث سقطت الصواريخ على مصانع كما في عسقلان، وبيوت بعض المسؤولين مثل "آفي دختر" الذي سقط أحد الصواريخ في فناء بيته، إذن فإن جل الصواريخ كانت تسقط في مناطق مأهولة مما أدى إلى ارتفاع واضح في عدد الخسائر في صفوف الاحتلال، بلغت 4 قتلى وعشرات الاصابات، وهذا له حساباته لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

استخدمت المقاومة سياسة الرسائل عبر الصواريخ، كما جرى في حادثة قصف الجيب، حين ظهرت صورة القطار قبل استهداف الجيب العسكري بصاروخ الكورنيت، بمعنى أن المقاومة قادرة على استهداف القطار، لكنها لا تريد ذلك الآن.

التخبط الإسرائيلي من خلال استهداف المدنيين، وذلك من خلال استهدافه للعمارات والأبراج السكنية، وهذا لم يحدث منذ انتهاء حرب عام 2014، مما أدى إلى استشهاد 27 فلسطينياً، فيما بلغ مجموع الأهداف التي تم قصفها من قبل الاحتلال 320 هدفاً مدنياً، ذلك كله في محاولة للضغط على المقاومة للحد من قصفها للمناطق المحتلة عام 48.

سياسة الاغتيالات عادت إلى الواجهة، لكن بصورة منضبطة بمعنى أنها استهدفت نشطاء في الميدان، لا شخصيات قيادية ووازنة في فصائل المقاومة، لأن (إسرائيل) تعلم أن ثمن ذلك هو الحرب.

إثبات فشل منظومة القبة الحديدية من جديد، حيث تم إطلاق أكثر من 700 صاروخ من قطاع غزة، فيما اعترضت القبة الحديدية 150 صاروخاً فقط.

أكدت هذه الجولة للمجتمع الإسرائيلي عامة ولسكان الجنوب خاصة كذب وزيف ادعاء قادة الجيش والمؤسسة الأمنية، بأن الاستهدافات خلال الجولات السابقة قد أضرت بالقدرة الصاروخية للمقاومة.

أثبتت هذه الجولة للقيادة السياسية الإسرائيلية بأن حل مشكلة قطاع غزة لن يكون بالحل العسكري، مما يتوجب عليها البحث عن حلول وبدائل غير عسكرية.

كان للأغنية الأوروبية دور لا يستهان به في التسريع لعقد تهدئة، فـ(إسرائيل) التي بذلت جهداً لاحتضان هذه المسابقة لن تتخلى بسهوله عنها، كما أنها لن تطرد الأجانب الذين قدموا من أصقاع العام من فنادق تل أبيب الفارهة التي تضاعفت ثمن الليلة الواحدة للمبيت فيها.

سرية الجهود في إبرام تهدئة، فلم نشهد دعوات كما كانت في السابق من مصر أو الأمم المتحدة لكلا الطرفين بضرورة الهدوء، فمن الممكن في ذلك إعلان مصر بعدم قدرتها على التعهد أمام غزة بأن (إسرائيل) ستنفذ ما تتفق عليه كعادتها.

خلاصة

انتهت جولة أخرى من جولات المواجهة والتي فهمت (إسرائيل) من خلالها بأن شهر رمضان لا يشكل أي عائق أمام حماس في خوض أي مواجهة -مضطرة-، مواجهات تشكل في جمعها مقدمة لحرب قادمة مفتوحة قد توفرت أسبابها وتأجلت رغباتها قليلا، في ظل إثباتات تتواتر يوماً بعد يوم بأن جيش الاحتلال فقد قوة الردع أمام غزة ومقاومتها، وفي ضوء توقعات بأن الاتفاقات لن تصمد طويلاً.