يبدو أن المجتمع المقدسي يتعرض إلى عملية "طحن" ليس فقط بسبب إجراءات وممارسات الاحتلال، والقيود التي يفرضها عليه، كنتيجة للقيود والتعقيدات التي تفرض على منح تراخيص البناء بالإضافة إلى الأثمان الباهظة للحصول على الرخصة، والتي تتجاوز ال (50) ألف دولار للشقة التي لا تزيد مساحتها عن 100متر مربع.. وبالنتيجة أي شقة معروضة للبيع في القدس بهذه المساحة لا تقل عن مليون شيكل جاهزة للسكن.. وفي ظل معدل فقر لسكان القدس تجاوز الـ80%، وفقدان للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكل من يسكن منهم خارج حدود ما يسمى ببلدية القدس، نجد بأن هناك ضغطًا كبيرًا على السكن في القدس، فمشاريع الإسكان القائمة بالأسعار المرتفعة للشقق لا تتيح للكثير من المقدسيين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط امتلاك شقة في المدينة.. ولذلك نجد بأن هناك طلب كبير على الشقق السكنية في القدس، وتضطر العائلات المقدسية للعيش مكدسة كعلب السردين في مساحات ضيقة، وما يجلبه ذلك من مشكلات اجتماعية، حيث لا تتوافر لها القدرة على دفع أجرة شقة تستهلك ثلاثة أرباع معاشها أو لربما معاش معيل للأسرة بأكمله، فاليوم لا تقل أجرة أي بيت عن 2500 شيكل في أي بلدة من بلدات القدس، ويصل هذا الإيجار إلى 4000 شيكل في العديد من مناطق القدس؛ شعفاط - بيت حنينا - بيت صفافا وغيرها يضاف لذلك ضريبة المسقفات "الأرنونا" ورسوم المياه والمجاري وغيرها، والدفع للأجرة يكون في الكثير من الأحيان مقدمًا لمدة ستة أشهر أو عام.. والبعض من المؤجرين يرى بأن قيامه بتأجير أسر مقدسية قد يجلب له "وجع" الرأس ولذلك يقوم بالتأجير لأجانب ومؤسسات أجنبية والذين في أغلبهم يعتاشون ويترفهون على حساب مأساة شعبنا الفلسطيني من العاملين في المؤسسات الدولية.
نحن نجد أنفسنا أمام معادلة صعبة في القدس، فلا وجود هناك لما يسمى بمسكوفيتش ملياردير الاستيطان اليهودي في القدس، ولا سلطة داعمة لإسكانات تخفف من أزمة السكن والإيجارات المرتفعة في القدس، ولا يوجد تعاون حتى من أصحاب البيوت في التخفيف من أجرتها، بل نجد بأن مؤسسات الإسكان والمؤسسات المصرفية، تضع شروط على من يريد الحصول على قرض للسكن، لا يتمكن الكثير من المقدسيين من تلبيتها.
حتى هذه اللحظة لم نلمس أي خطة ذات بعد إستراتيجي لمواجهة مخططات تهويد المدينة لا من وزارة شؤون القدس ولا من رئاسة الوزراء ولا من الحكومة ولا من منظمة التحرير، فقط شعارات و"هوبرات" إعلامية.. ألم يحن الوقت لكي تقوم الحكومة والمنظمة بتخصيص مبلغ سنوي أو شهري يدعم قيام اسكانات في المدينة يؤجر أو يملك البيوت للمقدسيين بأسعار تتناسب وقدراتهم على الدفع، وبما يمكنهم من الصمود والبقاء في المدينة؟ أم أن البعض سيستمر في الشحدة والتسول باسم القدس ودون دعم جدي وحقيقي يصل إلى أهل القدس.. نحن ندرك بأن القابضين على مفاتيح الدعم العربي والإسلامي جلهم من المنتفعين والفاسدين.. ولذلك في هذه المقالة أرى بان يعمل المقدسيون بالتعاون مع بعض المؤسسات التي تعمل في مجال الإسكان وتتوفر عندها المصداقية إلى تشكيل لجنة لأهل القدس تضم عدد كبير من الأهالي يخاطبون فيها العرب والمسلمين بشكل مستقل عن السلطة، من اجل توفير قنوات دعم مالي تمكنهم من الصمود والبقاء على أرضهم.