بُني الكون على الاختلاف والتنوع، وخلق الله البشر مختلفين ذكرًا وأنثى، حتى غير البشر خلقهم من كل شيء زوجين، حكمة الله التي تقتضي التكامل بالاختلاف، وعمارة الأرض بالتباين في الجنس والنوع، هذا أساس الوجود، ولما كان الوجود على الأرض لحكمة وغاية سامية، بين طياتها حكمة وغاية شخصية للبشر أنفسهم، واختلفت الغايات والطموحات؛ فلابد من قدرات ومميزات متنوعة تساعد كل فرد على القيام وتحقيق طموحاته، فلو كنا نسخة واحدة متساوين في كل شيء من يوم مولدنا وتجاربنا الحياتية وخبراتنا المعيشية؛ لأصبحنا ذوي أهداف واحدة وأنماط تقليدية متكررة، وهكذا لا يستقيم الكون ولا تتحقق غاية الله وحكمته فينا، الاختلاف يبدأ باللون والشكل والطول والقصر و... و... لينتهي بتجارب الحياة حلوها ومرها.
حقيقة أن البشر مختلفون اختلاف تنوع وثراء، لخلق حالة من التفاعل والتوزان والاستقرار في تفاصيل حياتنا اليومية.
والثابت في واقعنا اليوم أن الاختلاف مصدر النزاعات والأزمات في مناحي الحياة كافة، وتباين وجهات النظر والتوجهات العامة خلق منا أعداءً ومتصارعين لتحقيق حالة من التميز والتمايز عن الآخرين، لنعود تارة أخرى نسمع بمبدأ المساواة الذي نرفضه من داخلنا، ونقاومه بكل قوة وعنف، ليجسد مبدأ الاختلاف في ذاته نحو الآخرين حتى في أفكارهم وسلوكياتهم.
والجميل فيالاختلاف -يا سادة- أنه دومًا ينطلق من مبدأ التشابه؛ فيتحقق مبدأ المساواة والتشابه في انتماء لأرض أو قيم أو عادات، أو يجمعنا دين مشترك، وإلا تجمعنا الإنسانية بعمومها قاسمًا مشتركًا بين كل البشر في الحياة، وبعدها يجمعنا قاسم آخر، الموت، صحيح أننا نختلف في تقبل الاختلاف والتباين، لكن كلنا يسعى إليه ويطلبه في مستقبل، أو فرصة عمل، أو دراسة جامعية، أو زوجة جميلة، فالإبداع خروج عن النمطية والتشابه، والتفوق سمو وارتقاء نحو القمة بطريقة مختلفة أو بتحقيق نجاحات ساطعة.
نختلف -يا سادة- لنشبع حاجات ورغبات فطرية تحثنا على امتلاك الأفضل والأجود، فلقد خلقك الله لتختلف في تفاصيل علاقتك بالله وعلاقاتك بالبشر في إطار من القيم والمبادئ السماوية، وتباينوا فيما بينكم لتتكاملوا وتعمروا الأرض، فالاختلاف نفسه ليس كابوسًا أو سهمًا مسمومًا، فهو قيمة يجب أن تُغرس في نفوس أطفالنا وشبابنا بتوازن وموضوعية، وتهذيب حالة التنافس فيما بينهم، لتبقى منافسة شريفة محمودة لا ترتقي إلى سقف الصراع والنزاع، ونبذل كل الجهد لنزع فتيل الشحناء والكراهية، فأهلًا باختلاف يحقق تكاملًا، ولا أهلًا باختلاف يصنع خلافًا.
اختلفوا -يا سادة- في التفاصيل والأدوات كافة، واقطعوا كل المسافات دون تجاوز الحدود والأبجديات، ودون تجريح أو مساس بحريات، مستخدمين عِبارات لا تُجري العَبرات والدموع، اختلف بأدبٍ ورفق، وكلمات صدق، ولكن لا تختلفوا مع الله.