فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

بعد قرار الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية".. طالع أبرز تصريحات الفصائل الفلسطينية

الكنيست يصادق بالقراءة الأولى على تصنيف أونروا "منظمة إرهابية"

"لن تبقى لكم دبابات".. حزب الله ينشر رسالة جديدة مخاطبًا جيش الاحتلال (شاهد)

ابن حاخام متطرف.. جيش الاحتلال يفتح تحقيقًا في ملابسات مقتل ضابط بانفجار "غامض" بغزّة

عائلات محاصرة تستغيث.. خانيونس: الاحتلال يشرع بارتكاب جرائم بحق تجمعات المواطنين والنازحين

"كمائن وتفجير عبوات".. القسام تبث لقطات لعمليات استهدفت بها جنود ومستوطنين بطولكرم (شاهد)

خلال 24 ساعة فقط.. الحوثيون: استئناف العمل في ميناء الحديدة بعد تعرضه لقصف إسرائيلي

أسير محرر يغتال ضابطاً إسرائيلياً في قلب مستوطنةٍ قرب القدس.. ما التفاصيل؟

من مسافة الصفر.. القسام تنشر تفاصيل "ملحميَّة" لإيقاع قوتين "إسرائيليتين" في "كمين" غربي رفح

"كابوسًا سيبرانيًا".. "هآرتس" تكشف: حماس تملك قاعدة بيانات "خطيرة" لآلاف الجنود وعائلاتهم

16 سنة تذبل حياة "شاتيلا"

...
كتبها/ يحيى اليعقوبي:

في جوف السجن، يئن قلبها المقيد بـ16 سنة، مرت منها ثلاث، تفترش زنازينه وقضبانه التي تعج بـ "المُعذَّبين" مثلها، تغفو على حلم الحرية، تتوق نفسها إلى إشراق شمس تلمسها، تشتاق لرؤية الشفق الأحمر، إلى ليل ونجوم تتلألأ.

لم تعد تلهو مع صديقاتها في رحلاتهن بين جمال أشجار التين والزيتون، كل شيء من الحياة سُرق من الأسيرة الفلسطينية في سجون الاحتلال الإسرائيلي شاتيلا أبو عيادة (25 عامًا)؛ سوى قضبان حديدية تسمع أنين قلبها، ودمعات عيونها في جوف الليل.

رحلة تغير مسارها

قبل ثلاث سنوات، وتحديدا في الثالث من إبريل/ نيسان 2016 خرجت أم علي أبو عيادة (60 عاما)، في رحلة ترفيهية إلى مدينة "إيلات"، لم يمر على غيابها عن البيت أكثر من ساعة ونصف، حتى داهمها اتصال "لا على البال ولا على الخاطر"، أفسد المتصل رحلتها: "الاحتلال اعتقل شاتيلا.. الجيش بفتش الدار"، بعد الاتصال اختلت "أم علي" مع نفسها تراجع مخيلتها أحداث ذلك اليوم، لا تذكر سوى أن ابنتها التي تدرس بجامعة القدس المفتوحة –علم اجتماع، أصابتها إنفلونزا ذلك اليوم وكانت ستذهب للطبيب ثم الجامعة، وقبلها طهي الطعام.

هي لحظة توقف فيها الزمن في أوج انطلاقة الفتاة العشرينية بهذه الحياة، بمزاعم "محاولة تنفيذ عملية طعن أو قتل يهودية"، حتى باتت "شاتيلا" ميتة في عداد الأحياء لا تشاركهم إلا بما يبقي على قيد الحياة.

التحقيق.. هو الشيء الذي بقي بين الأسيرة وسجانيها المحتلين، لا تعلم والدتها عنه أي تفاصيل، على مدار عام تذهب إلى جلسات المحاكمة التي عقدت 12 مرة، كانت شاتيلا تواري وجهها خلف حجابها عن عدسات كاميرات الصحافة العبرية، وشتائم المستوطنين التي لا تتوقف إليها، تندهش أم علي من صبر ابنتها في مستهل حديثها مع صحيفة "فلسطين": "لا أعرف ما نوع ابنتي الصابرة، لم أرَها تهتز (..) كنت أستمد الصبر منها ومن شجاعتها".

يوم الحكم؛ 26 إبريل/ نيسان 2017، حبست أم علي أنفاسها ترتقب الحكم على ابنتها.. أبعد ما جال في مخيلتها، أن يكون لخمس سنوات؟ فكان الحكم الذي أصدرته محكمة الاحتلال مفاجئًا للجميع بسجن شاتيلا (16 عامًا) ودفع غرافة قيمتها 100 ألف شيقل، وهي صدمة أخرى تلقتها العائلة من تلك المحكمة مستندة لتهم ملفقة، في حين لم تنصف حقَّها حين اعتدى أحد المستوطنين على نجلهم موسى أبو عيادة، وضربه ضربًا شديدًا.

كان الحكم كصاعقة نزلت على قلب أمها وعائلتها، فهذه الأعوام ستسرق عمر شاتيلا الفتاة العشرينية، حينما تخرج من بين براثن القضبان، ستكون على مشارف الأربعينات، مرحلة عمرية ستعيشها بين غرفة وقضبان وجدران، تغيب عن الحياة، ستصبح صديقاتها أمهات، سيكبر أبناء إخوتها، وهم لا يعرفون عن شاتيلا سوى تلك الفتاة التي توقف عمرها عند لحظة أسرها.

تمر الأيام تجلس "أم علي" في بيتها بمدينة كفر قاسم، تراجع ذكرياتها مع شاتيلا في كل مكان وقعت عينها عليه، بعد أن أضحت الجدران فارغة، فلم تعد تزهر شاتيلا كل صباح، في كل ثانية ودقيقة لم تغب شاتيلا عن قلب أمها؛ ففيه تقضي حكما بالسجن المؤبد بين جدران قلب "أم علي"، الذي لا يتوقف عن النبض باسم شاتيلا.

لم يبقَ سوى زيارة بأوقات محددة تواسي الأم وابنتها، تذهب أم علي برسائل المشتاقين لشاتيلا وتعود برسائل الصبر من السجن، تتحمل طول المسافة لعدة ساعات، تتجاهل إساءة جنود الاحتلال واستفزازاتهم على الحواجز العسكرية، لأجل زيارة لا تزيد على 45 دقيقة ترى فيها ابنتها من وراء العازل الزجاجي.

عبر الأثير ترسل "أم علي" التي يغازلها الشوق، حنينها وشوقها على شكل كلمات لابنتها قبل موعد الزيارة المحددة، لا تدري إن سمعت ابنتها الأسيرة هذا الأنين أم لا.

رسالة من السجن، بها تنبض شاتيلا، تؤكد لعائلتها أنها ما زالت على قيد الحياة، قبل أيام أرسلت هذه الرسالة: "كيف حالك يا ماما، أنا الحمد لله كويسة، وانبسطت كتير بالزيارة والملابس البنات (الأسيرات) انبسطوا عليها خاصة العطر، وأكدي لميسون (شقيقتها) تجيني المرة الجاي، إلخ"، بدت سعيدة بزيارة والدتها رغم ما تخفيه من مأساة بين ثنايا حروفها، تبارك لشقيقها موسى بمولوده الجديد، تشتاق لرؤية شقيقتها، وتريد سماع صوت بناتها على الإذاعة".

لمة قرب الزيتون

في السجن تتوق شاتيلا، للمة واحدة تجمعها مع صديقاتها، وجلساتهن على سفوح الجبل وبين الزيتون، أو في موسم الصبر والتين الذي تحبه، وتنتظره بشغف لتقطف ثمره، تحن إلى الأشجار والأزهار التي تحف منطقة سكنها، لتركض وتفرد ذراعيها من جديد، وتروي الحرية زهرة اسمها "شاتيلا" لتتفتح من جديد.

لشاتيلا حكاية حب مع نبتة الريحان، كانت تحضر شتلاته وتزرعه في قوارير على نافذة غرفتها، ترويه مع كل صباح، تعتني به حتى يزهر ويفوح برائحتها العطرة، لكن حتى الريحان ذبل يا شاتيلا!

وإن مرت الأعوام ما زالت بالنسبة لأمها تلك الطفلة المدللة (آخر العنقود) جاءت بعد أربعة أولاد وخمس بنات، ولدت في شهرها السابع وكانت ستفارق الحياة لأجلها حينما انفجر رحمها لولا إنقاذها في الدقيقة الأخيرة، هي الطفلة الهادئة الصامتة الخجولة حتى لو تركت نفسها تموت من الجوع لا تطلب من والدتها الطعام.

تذكر أول زيارة لها بعد الحكم "الجائر" وهي تبتسم وتخفف عن والدتها: "ليش تبكي.. اللي كاتبه ربنا بصير"، قبلها كانت ابنتها تنخرط في تعلم قيادة السيارة، وتعمل مع شقيقاتها إلى جانب دراستها في مجال الطباعة.

اليوم؛ في كل مرة تطهو "أم علي" ورق الدوالي تتحول المائدة إلى مكان للمواساة، فهذه الأكلة كانت تعشقها شاتيلا حتى حرمتها، إلى حين عودتها مرة أخرى.

السجن مرة أخرى؛ تواجه شاتيلا وغيرها من الأسيرات مضايقات كثيرة من السجان، آخرها كان تركيب كاميرات، فمنذ شهر تضرب هي وباقي الأسيرات عن الخروج من الغرف احتجاجا على ذلك، تقول أم علي: "إن وزن ابنتها أصبح لا يتجاوز 53 كغم بعد أن نقص في السجن نحو 15 كغم منذ اعتقالها".

وما زالت أم علي متلهفة لعودة ابنتها بعد أن تجاوز عمرها حاجز الستين عاما، "أملنا بصفقة تبادل حتى لا أنتظر 13 عاما أخرى لا أعلم إن كنت سأعيش أم أموت فيها".