يرى أبو عاصف البرغوثي في سياسة هدم المنازل منهجا قديما جديدا لإحباط نفوس المقاومين، مشيراً إلى أن أي شخص ينفّذ عمليات فدائية ويسير في هذا الطريق يفترض أنه وضع في حسابه الأثمان التي قد يدفعها.
وكان جيش الاحتلال قد هدم فجر أمس منزل البرغوثي في بلدة كوبر شمال غرب رام الله، كإجراء انتقامي على خلفية تنفيذ ابنيها عمليات إطلاق نار ضد الجيش، في حين رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، مساء أول أمس، التماساً قدمته عائلة الشهيد عمر أبو ليلى من قرية الزاوية في سلفيت، ضد هدم منزلها.
ويقول والد الشهيد صالح وشقيقه الأسير عاصم: "حرية شعبنا ووطننا وجنة ربنا تستحق كل هذه التضحيات، نحن لا نحب مفارقة أبنائنا ولا اعتقالهم، لكن حياة الذل والاستكانة لن نقبلها تحت أي ظرف".
وتابع: "الأعمار بيد الله فالأشخاص والبيوت لهم أعمار، وفرقٌ بين انتهاء هذا العمر في سبيل الله أو في سبيل دنيا فانية، ونحمد الله أن اصطفانا لهذه الطريق ونسأله أن نكون على قدر هذا الحمل وأن يبني لنا بيوتاً في الجنة".
ومضى بالقول: "هم يريدون أن يهدمونا بهدم بيوتنا، لكنهم لن يهدموا العزيمة والمعنوية والإرادة النابعة من عقيدة ثابتة لا تتزحزح، فنحن اخترنا الطريق ولن نتزحزح عنها".
محاكم صورية
وأشار البرغوثي إلى أن الاعتراض على أوامر الهدم لدى محاكم الاحتلال هو تجميل لصورته من خلال الادعاء بأنه يوجد لديه طرق اعتراض قانونية، ليظهره بمظهر إنساني وديمقراطي "يحق الحق، ولكن نحن لا نقيم وزناً لمحاكمه ولا نثق بها".
وشدد على أن المعركة مع الاحتلال ليست قانونية "وإنما هي معركة بقاء فإما نحن وإما هم، هم قوة احتلال لا يريدون أحداً منا على هذه الأرض بل يريدون أرضاً بلا شعب، والفلسطيني لن يحصل على حقه باللجوء لمحاكم دولية أو غيرها، حقنا أكبر من ذلك وهو وطن وحرية".
وقال: "لم ولن نندم على ما قدمناه إثر هدم البيت، بالعكس لدينا استعداد للبذل أكثر، ولا نلقي بالاً للثمن، فلا شعب يتحرر دون أثمان، كل ما نريده تمكين في الدنيا وفوز في الآخرة، ولن ينال منا سجن ولا قتل".
وأكد البرغوثي أن سياسة الهدم لم تؤثر على معنويات أهالي الضفة، لافتًا إلى أن كل قرية "كوبر" بسكانها كافة تفتح بيوتها لنا، "ومنذ الصباح أستقبل أناساً من مدن الضفة المختلفة كنابلس وطولكرم وجنين وبيت لحم والخليل ولم تنقطع الاتصالات الهاتفية التضامنية، فشعبنا ليس تائهاً، ويرى فينا عنواناً للتضحية وهو يستحق منا ذلك".
المقاوم لا ينتظر
بدوره، أكد أمين أبو ليلى والد الشهيد عمر، الذي رفض الاحتلال التماسًا قدمه لعدم هدم منزله، أن لا قيمة للبيت بعدما فقد "عمر" وهو أغلى ما يملك، معبرًا عن عدم ثقته مطلقًا بمحاكم الاحتلال.
وأوضح أنه قدم التماسات عدة بعد إصدار قرار الهدم وأخذ قياسات المنزل، ورفضت جميعها، لكنهم أجلوا القرار هذه المرة إلى الـ21 من الشهر الجاري، متوقعًا أن يهدموا البيت في أي لحظة.
ويصف أبو ليلى الوضع الذي يعيشه بأنه غير مستقر، إذ يعيش وعائلته حرب أعصاب في كل يوم، حيث يداهم جيش الاحتلال المنزل وبين الفينة والأخرى ويفتشه ويحقق مع سكانه.
وقال: "هذه سياسة انتقامية لن تثني الشباب عن المقاومة، فمَنْ يخرج للمقاومة لن ينظر أو يفكر لما يمكن أن يفعله الاحتلال"، مشيراً إلى أن أهل قرية "الزاوية" كلهم يقفون يداً واحدة معنا وبيوتهم جميعاً مفتوحة لنا.
عقاب جماعي
وعدّ مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في الضفة الغربية فريد الأطرش، هدم الاحتلال بيوت أهالي الشهداء وبعض الأسرى "عقوبة جماعية" تنتهك الميثاق الدولي لحقوق الإنسان واتفاقات جنيف الرابعة التي توجب عليه حماية المدنيين.
ورأى أن تلك السياسة تتطلب ضغطاً دولياً لفضح جرائم الاحتلال وتضافر الجهود المحلية الرسمية والحزبية والمؤسسية في ذلك الإطار، لافتًا إلى أن القانون الدولي الإنساني يوجب أن تكون العقوبات فردية في حال ارتكب الشخص "عملاً غير مشروع فلا يجوز أن يطال عائلة الفاعل أي أذى".
وأشار إلى أن الالتماس أمام القانون الإسرائيلي كمَنْ يلجأ للجلاد فهو لم ولن يكون منصفاً للفلسطينيين يومًا، ومعظم الأحكام تخدم الطرف الإسرائيلي الذي لا يقيم وزنًا للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
من جهته، أوضح المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن جريمة هدم منزل "البرغوثي" تخالف المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، التي تحظر العقاب الجماعي، وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
وطالب المركز المجتمع الدولي بتوفير الحماية للمدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وضمان تطبيق إجراءات الاتفاقيات المذكورة، مبينًا أن منزل "البرغوثي" هو الثالث الذي تهدمه سلطات الاحتلال منذ بداية العام الجاري على خلفية العمل المقاوم.