قبل عامين، أضرب الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية بقيادة الأسير مروان البرغوثي أكثر من شهرين، ومع ذلك، لم يحقق الأسرى في إضراب الكرامة رقم 1 أي إنجاز، رغم خوضهم أطول إضراب في تاريخ الحركة الأسيرة، الذي مثل سابقة يعتد بها الأسرى ويفتخرون.
لقد حال بين الأسرى وتحقيق أي إنجاز وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "جلعاد إردان" الذي وقف للأسرى بالمرصاد، ولم يستجب لأي مطلب من مطالبهم، وتعمد أن يكسر إضرابهم، بعد أن تأكد له وقوف السلطة الفلسطينية ضد الإضراب، وتصديها بحزم لأي مسيرة جماهيرية حاولت الخروج عن نطاق مقرات الصليب الأحمر، ومنعت الاحتكاك بين الجماهير الغاضبة والمستوطنين، بل عمدت بعض القيادات الفلسطينية إلى إفشال الإضراب الذي يقوده الأسير مروان البرغوثي، كي لا يصعد نجمه مع أي إنجاز يتفاخر به أمام المجتمع الفلسطيني، ويبرزه قائدا بديلا لقيادة سحقت الإرادة الفلسطينية.
فشل إضراب الكرامة رقم 1، لم يحل دون خوض الأسرى إضراب الكرامة رقم 2، وكأن الأسرى في السجون الإسرائيلية قد قرروا الثأر لكرامتهم الوطنية، واستكمال خطوة إخوانهم الذين خاضوا إضراب الكرامة 1، بعد أن استخلصوا العبر، وأدركوا أن موطن القوة لا يتوقف على قدرتهم، وإنما مصدر قوتهم مجتمعهم الفلسطيني الداعم والمؤيد لهم.
إضراب الكرامة رقم 2، الذي لم يتجاوز ثمانية أيام، بدأ بالإضراب المفتوح عن الطعام، مع التلويح بالتصعيد إلى أبعد مدى، بما في ذلك الامتناع عن شرب الماء، وكان الأسرى قد أكدوا على جدية خطوتهم من خلال إحراق غرف السجن قبل الإضراب بأيام، والاشتباك بالسلاح الأبيض مع السجانين، ليبدأ قادة التنظيمات بأنفسهم، وليلتحق بهم بقية الأسرى بالتدريج، لقد حدث ذلك بعد أن حلت التنظيمات نفسها، وتركت السجناء بلا قيادة، وبلا تمثيل، وهذه رسالة أدركت مصلحة السجون خطورتها، وتحركت لها الحكومة الإسرائيلية بالسرعة القصوى.
اختار الأسرى موعد الإضراب ليترافق مع يوم الأسير العربي، حين يكون مزاج الشارع قد وصل إلى مداه في مناصرة الأسرى ودعمهم، واختاروا الإضراب المفتوح قبل يومين من الانتخابات الإسرائيلية، وبعد أن نسقوا خطوتهم مع قيادة المقاومة في قطاع غزة، حتى قيل إن الصاروخ الذي أطلق على تل أبيب، كان إيذاناً بإضراب الأسرى، وتلويحاً بعدم تركهم وحدهم، بل إن إضراب الأسرى كان جزءاً من مفاوضات التهدئة بين غزة والإسرائيليين، حين كان شرط استمرار التهدئة مقترناً بسلامة الأسرى، والاستجابة لمطالبهم الإنسانية العادلة.
ولأول مرة في تاريخ السجون الإسرائيلية، يتفاوض مع الأسرى الفلسطينيين جهاز الشاباك الإسرائيلي، وبأوامر شخصية من رئيس الوزراء نتانياهو، بعد أن تم استبعاد وزير الأمن الداخلي "جلعاد اردان"، وهذا الاستبعاد لصاحب الشأن المتشدد يعكس أمرين:
أولاً: إدراك جهاز الشاباك الإسرائيلي خطورة الأوضاع الأمنية في الضفة، وقابليتها للتفجير.
ثانياً: إدراك الحكومة الإسرائيلية خطورة الأوضاع العسكرية في غزة، وقابليتها للتصعيد.
وفي غضون ثمانية أيام حقق الأسرى انتصارهم الخاطف والسريع، الذي يحاكي انتصار المقاومة الفلسطينية قبل أشهر عدة، حين أجبروا العدو الإسرائيلي على القبول بالتهدئة بعد مواجهة عنيفة استمرت 24 ساعة فقط، حسمت خلالها المعركة، ليحسم الأسرى معركتهم في زمن قياسي، مؤكدين أن إرادة الشعوب من إرادة الله، وهي التي تقول للنصر كن فيكون.