في تقريره عن سرقة غاز غزة، لامس الإعلامي تامر المسحال طرف الجبل الجليدي من الفساد، وما خفي من هذا الجبل الفاسد أعظم بكثير مما نشر عبر فضائية الجزيرة، لذلك تابع الشعب الفلسطيني هذا البرنامج بشغف واهتمام، ولسان حال الناس يقول: نريد المزيد من التقارير الفاضحة لفساد قادة السلطة، حتى تزال الغشاوة عن عيون البعض، وتنجلي الحقيقة المرة في الكشف عن عشرات قضايا الفساد التي أرهقت القضية الفلسطينية، وأفسدت الوطنية، وخلخلت كيان الإنسان الفلسطيني بشكل متعمد؛ يزرع الشك، ويبث عدم الثقة بالمستقبل.
أدعو تامر المسحال لتقليب ملفات المجلس التشريعي السابق، مجلس حركة فتح، حيث عشرات القضايا التي فتح فيها تحقيقاً بالفساد، والأخطر كانت قضية تهريب الإسمنت المصري لبناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية، ولهذه القضية ملف أشرفت عليه لجان مختصة، وهي لجنة الموازنة والشؤون المالية، لجنة الرقابة وحقوق الإنسان، واللجنة القانونية، بالإضافة إلى قيام لجنة مصغرة مكلفة من رئاسة المجلس التشريعي تتكون من د. حسن خريشة، ود. سعدى الكرنز، والأستاذ جمال الشاتي، وقد حصلت اللجنة على وثائق تبين أن شركة LTD الإسرائيلية والتي يملكها زئيف بلنسكي حاولت استيراد الإسمنت من شركة مصر بني سويف، ولكن بعد تدخل جهات أمنية ولجان مقاومة التطبيع في مصر؛ تم وقف هذه الصفقة، مما دفع بلنسكي إلى التحايل، واستيراد الإسمنت عبر شركات فلسطينية، وهنا بدأت بعض الشركات الفلسطينية باستصدار أذونات استيراد للإسمنت المصري من وزارة الاقتصاد الوطني، وبلغ مجموع ما تم استصداره من هذه الأذونات ما يقارب 420 ألف طن.
لقد نشرت صحيفة الأيام الفلسطينية بتاريخ 10/6/2004، تقرير المجلس التشريعي على صفحتها الثالثة، والذي يفيد بأن الحكومة المصرية في حينه قد طلبت شهادة فلسطينية تفيد بأن الإسمنت المصري يذهب إلى تعمير المخيمات والبيوت الفلسطينية التي يدمرها الإسرائيليون في قطاع غزة والضفة الغربية، وبالفعل، قدم مدير عام وزارة الاقتصاد الوطني عبد الحفيظ نوفل هذه الشهادة المزورة إلى الحكومة المصرية لتعتمد عليها في مواصلة تدفق الإسمنت المصري.
ومكافأة لهذا الموظف على شهادة التزوير، تمت ترقيته إلى وكيل وزارة مساعد في الوزارة نفسها، ونشرت له التهنئة على الصفحة الأولى من صحيفة الأيام نفسها، وفي التاريخ نفسه الذي نشرت فيه الصحيفة تقرير الفساد على صفحتها الثالثة.
سنة 2008 تمت ترقية عبد الحفيظ نوفل إلى وكيل وزارة الاقتصاد، ليتقدم سنة 2010 بشكوى للنيابة ضد رئيس جمعية حماية المستهلك في الخليل بتهمة التشهير بالوزارة، ويعرف أهل الخليل أن جمعية حماية المستهلك قد ضبطت شحنة بضائع مهربة من المستوطنات اليهودية، وبعد أيام قام وزير الاقتصاد حسن أبو لبدة بالإفراج عن هذه الشحنة دون خوف أو حياء.
واصل عبد الحفيظ نوفل تقدمه فصار سفيراً للسلطة الفلسطينية في جنوب أفريقيا سنة 2013، ولكنه اليوم يشغل سفير السلطة الفلسطينية في موسكو، وقد اعترف قبل فترة بأن تأجيل زيارة إسماعيل هنية إلى روسيا 2019 قد تمت بتوصية من الجانب الفلسطيني.
أسماء وشركات ومؤسسات وشخصيات وقيادات فلسطينية لما تزل تتغذى على الفساد، تنمو، وتكبر، وتسيطر على مفاصل حياة الإنسان الفلسطيني، يهدف تدميره، وتصفية قضيته الوطنية.