جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست"، الواحدة والعشرين، لكي تؤكد أن هذه الانتخابات لم تكن نتائجها بالمفاجأة سوى عند المتعلقين بالأوهام والفاقدين للإرادة ويعيشون حالة عجز مستديمة، ترهن حقوق شعبنا الفلسطيني لنتائج الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية، على الرغم أن من يقرأ التحولات في المجتمع الإسرائيلي يدرك تماماً بأن المجتمع الإسرائيلي منذ عام 1996 وهو يشهد انزياحات حادة نحو اليمين والتطرف والعنصرية، وبأن الصراع على السلطة بات ينحصر بين القوى اليمينية بشقيها الديني والعلماني، وبأن ما يسمى بقوى اليسار الصهيوني بما فيها حزب العمل المؤسس لهذه الدولة الاستيطانية الكولونيالية قالت نتائج الانتخابات الأخيرة أنه يتجه نحو الذوبان والاندثار، ولم يعد مقرراً في السياسة الإسرائيلية ولا في رسم مستقبل هذه الدولة، وكذلك أظهرت تلك الانتخابات وجود حالة كبيرة من التماهي والتطابق ما بين الحكومة والمجتمع الصهيوني، بحيث باتت تتحكم فيه قوى صهيونية، تنظُر للشعب الفلسطيني على أنه كم زائد وغدد سرطانية زائدة يجب العمل على اجتثاثها وقانون أساس القومية الصهيوني، الذي يشرعن الطرد والترحيل والتهجير القسري لشعبنا الفلسطيني، لن يكون القانون الأخير في مسلسل حكومة اليمين الصهيوني المتشكلة، بل سنشهد حالة غير مسبوقة من التهويد تطال كل مساحة فلسطين التاريخية ،والمزيد من السياسات العنصرية، التي تدعو الى طرد العرب وتهجيرهم.
في مقالة سابقة قلت لمن يقرأ الواقع الصهيوني والتحولات الجارية فيه، بأن بديل نتنياهو لن يكون "جيفارا" ولا كتلة مانعة ضد "تغول" و"توحش" اليمين الصهيوني على حقوق شعبنا ووجودنا وأرضنا، بل في أسوأ الحالات ستتشكل حكومة وحدة يمينية، ولذلك الحجج والذرائع من قبل القوى والكتل المشاركة في الانتخابات بأن المقاطعة للانتخابات من قبل أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 – ستعزز من قوة اليمين تعوزها الدقة والمصداقية، فتراجع نسبة المشاركة يعود بشكل أساسي، لفقدان جماهير شعبنا هناك الثقة بأن " الكنيست"، سيشكل ساحة ومساحة لشعبنا، لكي يعري ويفضح اليمين وسياساته المتطرفة تجاه شعبنا الفلسطيني، وربما ينجحون في إيجاد كتلة مانعة "تلجم وتحد من اندفاعات اليمين نحو تصفية حقوقنا ووجودنا، ولكن بالتجربة والبرهان، ثبت عدم دقة تلك المواقف وعدم صوابيتها، فالقضايا ذات البعد الإستراتيجي مثل الأمن، الاستيطان، ملكية الأراضي، التعليم والمخططات الهيكلية، القوى الصهيونية اليمينية، هي من تتحكم فيها.
ما أفرزته نتائج الانتخابات الإسرائيلية على صعيد مجتمعنا العربي مقلق جداً، حيث وجدنا بأن مخططات الأسرلة لشعبنا تحقق نجاحات واختراقات جدية، اذ إن نسبة المصوتين للأحزاب الصهيونية من أبناء شعبنا الفلسطيني من المشاركين في تلك الانتخابات وصلت إلى 30%. قد أتفهم بأن جزءا من تلك النسبة، له علاقة بمعاقبة الكتل العربية التي خاضت تلك الانتخابات، لكونها فككت القائمة المشتركة وغلبت مصالحها الشخصية على المصالح العامة، وهبطت بسقف تلك الانتخابات من انتخابات سياسية إلى "مصلحية" و"ذاتية"، ولكن علينا أن نتنبه جيداً للاختراقات الحاصلة في وعي ونسيج مجتمعنا هناك، ورسم خطط وبرامج واستراتيجيات ووضع آليات لكيفية التصدي لهذا المشروع وتلك السياسات الخادعة والمضللة.
المأساة بأن كل ما حصل ويحصل، ونجد بأن القيادة الفلسطينية تتعامل مع الأمور على قاعدة المأثورات الشعبية "عنزة ولو طارت" و"حلب الثور" وطلب الدبس من قفا النمس"، وتصبح القيادة بدل صنع السياسة، وهي أعجز عن صنعها، تردد نفس اللازمة الرفض والاستنكار، ويتحول جزء منها إلى محللين سياسيين معلقين على التطورات والأحداث.. الانتخابات الإسرائيلية أثبتت بأن الإسرائيليين لم يصوتوا للسلام، بل صوتوا للاستيطان والضم ومصادرة الحقوق الفلسطينية وإنهاء حل الدولتين..
إلى متى تستمر هذه القيادة في القراءة الخاطئة للواقع، وهي لم تكتف بذلك، بل نرى أنها تعتقد بأن نسج علاقات تطبيعية مع قوى سياسية إسرائيلية، قد يحدث "ثورة" في المجتمع الإسرائيلي، وهي تعلم جيداً بأن هذه السياسات الضارة في شرعنة التطبيع مع الاحتلال، هي من فتحت شهية النظام الرسمي العربي، لكي يسرع من "هرولته" وشرعنته وعلنية التطبيع مع دولة الاحتلال، لتصل الأمور حد تجرؤ وزير الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي حد القول في مؤتمر " دافوس" الاقتصادي الذي عقد مؤخراً في الأردن، للقول إن علينا كعرب أن نتفهم حاجة دولة الاحتلال الى الأمن والطمأنينة على وجودها في المنطقة، وكأننا نحن الفلسطينيين والعرب، من نرفض السلام ونمارس "الإرهاب والقتل والدمار بحق هذه الدولة"، دولة تحتل أرضنا وترفض الاعتراف بحقوقنا وتمتلك أحدث أنواع السلاح، بما في ذلك السلاح النووي، تحتاج إلى الطمأنينة يا عربان؟؟
خمسة وعشرون عاماً من مسار أوسلو ونهج المفاوضات العبثية الضارة، والتي لم تنتج سوى المزيد من فرض الوقائع والحقائق وقضم الأرض، وتعميق حالة الانقسام والضعف الفلسطيني، أليست كافية، لكي تجعل هذه القيادة تغادر سياسة الانتظار والتعلق بالأوهام، والرهان على نتائج الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية؟؟
النظام الرسمي العربي الذي وصل الى هذه الحالة من التعفن والانهيار، نتيجة هزيمة الإرادة، وعقدة "الارتعاش" السياسي في التعامل مع الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال، ويبدو بأن عدوى ذلك انتقلت إلى القيادة الفلسطينية، حيث لا تمتلك إرادة المجابهة السياسية والشعبية، وقمة المأساة أن يتحول الصراع الفلسطيني- الفلسطيني إلى صراع أشد وأكثر فتكاً وحقداً من الصراع مع الاحتلال، ولعل ما أفرزته نتائج الانتخابات الإسرائيلية يجب أن يكون ناقوس خطر أمام الكل الفلسطيني، والتحرر من الأوهام، نحو السير إلى اتخاذ خطوات جدية وحقيقية تنهي الانقسام وتستعيد وحدة شعبنا الفلسطيني على أساس برنامج سياسي واضح ومتوافق عليه، وبأن تكون هناك رؤيا واستراتيجية موحدتان، وكذلك ضرورة أن يكون هناك شراكة حقيقية في القيادة والقرار، ولذلك لم يعد من المقبول في ظل تربع اليمين على قمة الهرم السياسي في دولة الاحتلال، وتعمق مظاهر العنصرية والتطرف في المجتمع الإسرائيلي.. أن لا يقدم الرئيس على خطوات من شأنها أن تعزز وحدة شعبنا ولحمته وتضع حداً لانقسامه وتفككه الوطني والمجتمعي، وهذا يتطلب إرادة جمعية من طرفي الانقسام، ولكن الرئيس بإمكانه تعليق كل الإجراءات العقابية المالية والإدارية بحق أهلنا وشعبنا في قطاع غزة، وأن يشرع في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يخص التحلل من الالتزامات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، وعلينا أن ندرس العودة إلى خيار كوننا حركة تحرر وطني، بحيث تجمع الكل الفلسطيني حول هدف واحد واستراتيجية واحدة على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية، دون أن يعني ذلك أننا ندعو للمغامرة أو المواجهة العسكرية.
المرحلة جداً خطيرة والظروف المحيطة بقضيتنا وفي ظل ما يطبخ من مشاريع تصفوية لقضيتنا، وفي المقدمة منها صفقة القرن، والتي بات طرحها قريباً، حيث اليمين الصهيوني يشترك معه اليمين المتصهين في أمريكا وكذلك العديد من الدول العربية والإقليمية في دعم تطبيق وتنفيذ هذه الصفقة، التي من شأنها شطب وتصفية قضيتنا وحقوق شعبنا، مما يتطلب من الجميع وفي المقدمة منها القيادة الفلسطينية، أن ترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر المحدقة بقضيتنا، وأن تتخلى عن الضغائن ضد بعضها بعضا، وأن تمنح شعبنا الثقة أثناء خوض معاركه مع المحتل، قيادة توحد ولا تفرق، وتستجيب إلى نبض وهموم الشارع الفلسطيني.