كثيرًا ما نقول: عامل الناس مثلما يعاملونك، انطلاقاً من باب النّدية والمعاملة بالمثل، لنرتقي خطوة للأمام قائلين: عامل الناس مثلما تحب أن يعاملوك، لكن الحقيقة رغم أن هذه قواعد للتعامل تناسب أوقاتاً محددة أو أشخاصاً بعينهم فإن الأسمى والأرقى في التعامل أن تعامل الناس مثلما يحبون هم أن يعامَلوا، وبالطريقة المثلى لهم وفق أهوائهم ورغباتهم وظروفهم وعواطفهم؛ هذه القاعدة الذهبية في التعامل قاعدة تبني علاقات ذكية مع الآخرين لأنها تتناغم مع أهواء وعواطف الطرف الآخر في التعامل لتؤسس لعلاقة فرصة استمرارها وديمومتها أكبر في حياتنا.
ومن المهارات الرائعة في بناء علاقات ذكية مع من حولنا مناداتهم بأسمائهم، فورد عن سيدنا النبي في فتح مكة حينما طالب الصحابة الكرام بعدم التعرض لعمه العباس_ الذي كان دخل الإسلام سراً _ فعارضه أحد الأعراب قائلاً: والله إن لقيته لأغرقن وجهه بالدماء فخاطب سيدنا النبي سيدنا عمر بن الخطاب قائلاً: له أيعجبك ما تسمع يا أبا حفص، يقول سيدنا عمر وقد غمرته السعادة: "هذه أول مرة يخاطبني سيدنا النبي بكنيتي"، جميل أن نخاطب الناس بأسماء وكنى هم يحبونها ويسعدون بها متجنبين كل ما يثير غضبهم أو عدم رضاهم.
العلاقات بين الناس كالرمال بين يديك، إن أمسكت بها ويدك مسترخية، ستظل الرمال بين يديك، وإن قبضت يديك ظناً أنك تحافظ على الرمال تساقطت من بين أصابعك. العلاقات يجب أن يحكمها عقل ضابط وقلب نابض ورغم ذلك هناك انطباعات أولى تدوم، وميل من نظرة أولى، يقابله رفض من أول وهلة، الإنسان مخلوق عجيب يعشق بقلبه تارة ويحكم عقله تارة، والعاقل من يتعامل بقلب يضبطه عقل، والعلاقة السوية في المحصلة لها جناحان: جناح قلبي ينبض، وجناح عقلي يضبط؛ تحقيقاً لقيمة السعادة والرضا لدى الإنسان، وذلك تأكيدًا على أن بناء العلاقات يحتاج إلى مهارة خاصة لا يمتلكها الكثيرون، والحقيقة أن النساء أكثر قدرة على نسج العلاقات من الرجال وكلهم بحاجة إلى نسج علاقات والتأسيس لها سواء مع الجنس نفسه أو مع الشق الآخر؛ لتستقيم الحياة وتتكامل.
يميل الإنسان إلى الاندماج مع الآخرين لبناء علاقات تفاعلية معهم لأنها من ضرورات استمرار الحياة اليومية دون الالتفات لجنسية أو لون أو معتقد، مع أنه يتأثر بمحددات وضوابط تحكمها منظومة الدين والقيم لتؤكد استمرارها أو وقوفها عند حد معين تحكمه الضرورة والمصالح في بعض الأحيان. لكن العلاقات البشريّة التي تقوم على أسس سليمة من الدين والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد الأصيلة تؤدي حتماً إلى التماسك والترابط بين البشر، وتقوي دعائم الاستقرار، لترسم صورة حضارية رائعة للعلاقات البشرية المتزنة والموزونة، وإلا فالصورة باهتة وقاتمة عنوانها الأنانيّة والمصلحة، ليعمّ الشقاق والخلاف، فتعامل صديقي القارئ بذكاءٍ بما يلائم الآخرين ويناسبهم.