الصدق صفة جميلة وفطرة سليمة، وانعكاس لأفكارٍ ومشاعر، وقيم إنسانية تزين صاحبها، فالحياء من الكذب منع أبا سفيان إلا أن يصدق في القول مع هرقل الروم قائلًا: "فوالله، لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عنه"، وامتدح حبيبنا محمد أبا ذر بأنه أصدق أهل الأرض، وازداد الصدق جمالًا وروعة حين وُصِف به حبيبنا محمد الصادق الأمين، فالصدق يدعو إليه العقل والشرع، ويهدي إلى البر والخير، وللصدق أشكال وألوان يبدأ بصدق اللسان، فصدق النية والإرادة، فصدق العزم والوفاء به، وصولًا إلى صدق الأعمال، فهو عنوان الإيمان وتاج على رؤوس المؤمنين، فالصدق خُلُقُ حميد، ومنهجٌ قويم، يدعو إلى قول الحق، وإظهار صورة الحق كما هي، وعدم نصر الباطل، والصدق مطابقة الأقوال للأفعال.
الصدق أساس لبناء المجتمع، وتثبيتٌ لدعائمه وركائزه وبنيانه، ومنعٌ للظلم، وإقامةٌ لميزان الحق والعدل في الدنيا، وفوزٌ من الله (تعالى) بأن يُكتب الصادق عند الله (سبحانه وتعالى) صدّيقًا، الصدق عِمارةٌ للبيوت والأسر، على عكس الكذب الذي يهدّ أركان الأسرة ويشتتها ويسبب ضياعها.
لكن اليوم مع المتغيرات المتعددة بدأ منحنى الصدق لدى الغالبية العظمى ينحدر، وأداة للتلاعب في الألفاظ والمصطلحات لدى الفئة الباقية في مجتمعاتنا المعاصرة، وحقيقة الأمر أن آفة عدم الصدق ليست لدى أصحاب المناصب والمسميات الإدارية فحسب بل تطال شرائح المجتمع والمسميات كافة، لكن كلما ارتقى الإنسان وعلا في مكانته كان التزامه بالصدق أوجب، لكونه محل ثقة وممثلًا لمؤسسة قد تكون عريقة أو ذات اسم لامع، مع أن الحفاظ على خيوط المعادلة بين طرفيها إرضاء الجمهور من جهة والحفاظ على المؤسسة من جهة أخرى مغلفًا بالصدق والأمانة أمر ليس هينًا، لكن مخرجه غاية في الروعة والجمال، إن استطاع أن يحافظ على صدقه في العلاقات والتواصل مع الجمهور على اختلاف حاجاته.
فجمهورنا الفلسطيني صاحب حاجة، ويستحق منا على الأقل أو بداية أن نكون صادقين في تصريحاتنا وآرائنا وإجاباتنا معه، لكن لا يستطيع ذلك إلا من كان صادقًا مع نفسه، عاش الصدق بكل معانيه، وما أجمل أن يزين صدق الأقوال بصدق الأفعال، وأخيرًا "الصدق ليس شعارًا يطلق بل ممارسة" مع الذات أولًا ومع كل من حولنا، ودمتم صادقين.