في خطابه أمام مؤتمر القمة، يعترف محمود عباس أن صفقة القرن ماضية كحد السيف، وأنها تتعامل مع الواقع كما هو، وأنها ستخرج إلى العلن بعد شهرين، وأن مصير الضفة الغربية قد حسم بالضم لإسرائيل، على أن تقام في مدن الضفة الغربية سلطة شبه ذاتية، ويعترف عباس أن مصير غزة قد حسم بدولة منفصلة، وأن مصير القدس قد حسم لصالح اليهود!
هذه الاعترافات الخطيرة من محمود عباس تطرح ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: طالما كان محمود عباس يعرف أن صفقة القرن ماضية، وأن الترتيب لتصفية القضية الفلسطينية يجري منذ زمن، فلماذا لم يفعل شيئًا؟ لماذا وفر الأرضية المناسبة لتمرير الصفقة؟ لماذا قدس التعاون الأمني الذي سيج الأرض أمنًا للمستوطنين؟ لماذا لم يتخذ أي خطوة لعرقلة المخطط الذي كان يعرفه؟ وهل كان يوافق عليه سرًا، ويرفضه علنًا؟؟
السؤال الثاني: هل كان يعرف أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ما كان يعرفه محمود عباس من نهايات مأساوية للقضية الفلسطينية؟ هل كنتم تعرفون أن نهاية التعاون الأمني ستكون بهذا الشكل المهين للقضية؟ ولماذا لم تتحركوا؟ ولنفترض أن محمود عباس قد ضل الطريق بسياسته، فأين أنتم؟ لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا تركتم المركبة تغرق حتى آخر الأنقاس؟
السؤال الثالث: لأعضاء المجلس المركزي، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: ألم تستشعروا الخطر من تاريخ 2015، حين اتخذتم قرار وقف التعاون الأمني في غضون ثلاثة أشهر، ولم يطبق قراركم؟ فماذا فعلتم؟ ألم تقدروا سوء العاقبة؟ وماذا ستفعلون في هذا الوقت الضائع للحيلولة دون إلحاق منطقة ج من الضفة الغربية إلى إسرائيل؟ ألم تستشعروا عظم المسؤولية حين فرشتم البساط الأزرق الأمني تحت أطماع المستوطنين؟
بعد هذا الوضوح والجلاء في حديث محمود عباس عن مصير القضية الفلسطينية التي صار لعبة بين يدي ترامب، وبعد أن صار مستقبل الشعب الفلسطيني جرة قلم من الإدارة الأمريكية، بعد هذا الاعتراف بعدم القدرة على الوقوف في وجه المخططات الأمريكية، وعدم القدرة على ثني إسرائيل عن أطماعها، وعدم القدرة على تغيير المعادلة فوق الأرض، والتي تميل لصالح المستوطنين، بعد كل هذا، فإنني أزعم أن المخرج للحالة الفلسطينية يكمن في طريقين:
الطريق الأول: أن تعترف القيادة الفلسطينية بأخطائها علانية، وأن تعتذر للشعب الفلسطيني عن توريطه في مستنقع الضياع، وأن تشرع بحل السلطة، وحل الأجهزة الأمنية، وتسلم الضفة الغربية لأهلها، ليتحملوا المسؤولية عن أنفسهم، فهم أصحاب الكلمة العليا، وهم القادرون على فرز قياداتهم الميدانية في زمن قصير، وهم القادرون على مواجهة المحتلين في كل الساحات، وإرباك كل المخططات، ومفاجأة الجميع بما يكتنز الشعب الفلسطيني من طاقة وقدرة مقاومة إبداعية.
الطريق الثاني: أن تتدارك القيادة الفلسطينية الموقف على وجه السرعة، وتدعو الإطار القيادي للاجتماع في القاهرة أو غزة، أو أي عاصمة عربية، على أن يكون مضمون اللقاء هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من القضية الفلسطينية، وذلك من خلال تسليم مقاليد الأمور لمن ثبت نقاء سياستهم، وصفاء فعلهم، وقوة حضورهم على الأرض، وليبتعد عن صدر القرار تلك التنظيمات التي ثبت فشل سياستها، وبأن انقيادها لمصالح زمرة، خذلت الشعب، وحرفت النضال عن مساره.
الإطار القيادي الفلسطيني قادر على انتشال المركب من الغرق، وترتيب البيت وفق المصلحة الوطنية العليا، وإعادة صياغة البرنامج السياسي وفق الإمكانات المتاحة، وبما يخدم القضية الفلسطينية، وبما يهدد خارطة الطريق بالفشل والتصفية، بإرادة شعب لا يعرف المستحيل.