فلسطين أون لاين

​هديل التي تحدت قناصًا إسرائيليًّا وأسرت قلب معاذ قرب السياج

...
رسالتنا من الزواج هي إيصال رسالة أننا نحب الحياة والحرية
خان يونس/ يحيى اليعقوبي:

الأحداث مشتعلة شرق محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة: قنابل الغاز التي يطلقها جنود وقناصة الاحتلال الإسرائيلي تتساقط بكثافة على المتظاهرين السلميين، المسعفان معاذ الرقب (24 عامًا) وهديل النجار (23 عامًا) منهمكان في التعاون على إسعاف المصابين، يتنقلان بين المتظاهرين، يرشان المحاليل الطبية على وجوههم للتخفيف من آثار الغازات المنبعثة من تلك القنابل.

سقطت سيدة مسنة بالقرب من المسعفين:

  • هديل بسرعة هاتي الشنتة (الحقيبة).

على الفور جاءت هديل تحمل حقيبتها لإسعاف المسنة التي سقطت بجوارها قنبلة الغاز وهي على مسافة بعيدة عن السياج الفاصل نحو أكثر من 700 متر، وما إن بدأ المسعفان معالجة السيدة، أطلق أحد جنود الاحتلال قنبلة غاز مباشرة، أصابت يد هديل، وارتطمت بوجه معاذ.

لا ينسى المسعف ذلك المشهد وهو يتحدث إلى صحيفة "فلسطين": "أغمي علي مباشرة ولم أستيقظ إلا في المستشفى الأوروبي"، تبتسم هديل وهي تستذكر تلك اللحظة: "كان موقفًا صعبًا في بداية عملنا بالمسيرات، كنا سنفقد روحنا، لكن غايتنا وهدفنا إسعاف المصابين".

مرت عدة أيام، عاد المسعفان في الجمعة التالية للتطوع في إسعاف المصابين، فهما يعرفان أنهما محميان بموجب الأعراف والقوانين الدولية، لكن ما حدث هنا كان اختبارًا صعبًا لهما، ينادي معاذ: "هديل، هناك إصابة على بعد 25 مترًا من السياج"، خيَّرها بسبب خطورة الحدث: "إذا خايفة خلص بروح لحالي"، ردت عليه بثقة: "على الموت بروح، إحنا بدنا ننقذ روح، مهما كان الثمن".

كانت الإصابة لطفل من عائلة مصبح لا يتجاوز من عمره (14) عامًا، حالته حرجة؛ فالرصاصة المتفجرة اخترقت قدمه وأدت إلى بترها على الفور، كما يروي المسعفان، وسببت نزفًا شديدًا له، لم يتبق أمام المسعفين إلا القليل من الوقت.

يرجع معاذ بذاكرته لذلك الموقف: "كان المشهد صعبًا وخطرًا، تقدمنا كثيرًا، رافقني أحد المسعفين، لكن أحد الجنود فجأة صوب بندقيته باتجاهنا".

طلب معاذ من هديل أن ترفع يديها وتضع حقيبتها الطبية على الأرض، كي يدرك أنهم مسعفون، فمع أنهما يرتديان الملابس البيضاء ذلك الجندي ظل مشهرًا سلاحه نحوهم.

وثقت هديل تلك اللحظة في دفتر ذكرياتها، تفتحها من جديد بنبرة صوت واثقة: "لم أشعر بالخوف من الجندي، تقدمت إلى الأمام ورفعت يدي، لأنها حياة ناس ولهم أرواح، وأي دقيقة تأخير في وقف النزف ستؤدي إلى فقدان روح إنسان".



استطاع المسعفان تثبيت قدم الطفل المصاب ووقف النزف، وإنقاذ حياته ونقله إلى سيارات الإسعافات، مشهد أثبت لكل منهما تفاني الآخر في العمل، وبدأ يجمعهما العمل المشترك في إسعاف المصابين بمخيمات العودة، كان القاسم بينهما هي الحقيبة الطبية التي تمتلكها هديل، فمعاذ لم يكن يمتلك حقيبة لشح الأدوية الطبية.

يبتسم مرة أخرى بلهجة عامية: "كانت شنتتها (حقيبة) مليانة أدوية؛ فكنت دايمًا آخد منها وأسعف الناس، وما كنتش عارف إنها حتصير مرتي".

المواقف الشجاعة لهديل في إسعاف المصابين أسرت قلب معاذ، وتقدم لخطبتها في 2 أيار (مايو) 2018م، وبعد ثلاثة أشهر عقدا مراسم زفافهما وتزوجا في مخيم العودة شرقي خان يونس، المكان الذي تعارفا فيه، حيث احتفى بهما المسعفون والممرضون والأطباء، والآن ينتظران مولودهما الأول الذي سيبصر النور بعد عدة أشهر.

"رسالتنا من الزواج هي إيصال رسالة أننا نحب الحياة والحرية، كباقي شعوب العالم (...) وأن الممرضين والمسعفين لديهم قلب" والكلام لمعاذ، أما هديل فقالت: "نحن المسعفين نشعر ونتألم عندما نعالج المصابين، وليس كما يعتقد بعض أننا بلا قلوب، تطوعنا بإسعاف المصابين في مسيرة العودة من منطلق واجبنا الإنساني تجاه أبناء شعبنا".