فلسطين أون لاين

​"في آذار تلد الأرض"

في آذار تخضرُّ الأرض، ويفيض الماء من بين الصخور، وتتفتح الأقاحي، والزنابق، والشقائق، وتختال العصافير والفراشات والحشرات الجميلة التي تكتمل دورتها وتكمل دورة الحياة، وتبتسم الطبيعة بسمة ملونة مزركشة شذية.. يصبغها اللون الأحمر والأبيض والأخضر والأسود بالحب والحياة والينع والصفاء..

وفي آذار تفيض أرواح الشهداء إلى خالقها، وترتوي الأرض من دمائهم، وكأنها تتعطش لتلك الدماء حتى تنبت مكان كل شهيد شقيقة من شقائق النعمان الحمراء المتأنِّقة، التي تتفتح على سفوح الجبال وتفترش السهول شامخة برؤوسها برغم الدمعة السوداء في قلبها.. والتي أبداً لا تفارقها. وتراها قبل أن يأتي فصل الجفاف، تجفف بذورها وتذروها في الهواء، عله يحملها إلى أبعد مكان يمكنه بلوغه، لتنبت في العام المقبل أحفاد صغار ينطبع في تركيبهم لون دم الشهداء ورائحته.

في آذار تستعد الأرض للدخول في مخاضها العسير، لتلد الثوار والمنتفضين والشجعان والأبطال.. أبنائها الذين ينتمون لها، ويفدونها بأرواحهم.. وفي آذار تلفظ الأرض الذل والعبودية، مُقْسِمَة أن الموت خير من أي حياة ذليلة.. فيستجيب الرجال لذاك القسم.. فيقاومون بكل ما أوتوا، حتى ولو بصدورهم العارية.

- كيف لنا أن نعيش أذلاء بعد ذلك ونحن أبناؤك؟.

****

تكتظ ذاكرة الأرض المباركة بأسماء الشهداء، ويتعطر التاريخ بسيرتهم الشذية، وتكتسي الرجولة ببعضٍ من شجاعتهم، ويأتي آذار كل عام دون أن أجده يرتوي من دمائهم، مصرَّاً على أن يصحب معه قبيل رحيله المزيد منهم، فالجنات في شوق عظيم لهم، والسماء بانتظارهم لتحتفي بحضورهم.. تودعهم الأرض وهي تتخضب بدمائهم، وينتفض قلبها فرحًا بأرواحهم التي قدموها مهراً لها.. فتنثر الورود الحمراء على أضرحتهم. وتعدهم أن تملأ الوادي سنابلاً وثوَّاراً قبل أن يقبل آذار مرة أخرى.

****

في يوم الأرض، تتشح الأرض بالخضرة، هي أبداً لا تتَّشح بالسواد، حتى وإن لم يكن الأخضر لون الحزن والحداد، فالأرض تحزن إذا استرخي الرجال عاجزين مهزومين.. وتنظر ثوارها الذين لا يهدؤون ولا ينامون ولا يسترخون، ولا يدعون الأعداء يعرفون طعماً للنوم أو الراحة أو السكينة.. ففي بلادنا لا أمن لكم ولا أمان.. بلادنا جحيم ولظى على من اعتدى علينا.

****

آذار أتى محملاً بالوعود، ويكاد يرحل وقد غرس بذور الحرية والكرامة والعزة في رحم الأرض، وما هي إلا سنة أو بعض سنة وسيهتز النوى، وينبت ويخضر ويورق ويبرعم.. ولن تتوقف مسيرات الشهداء عن المسير والارتقاء.. سينظرون بسرور وفرح من السماء حين نلتقي جميعاً في عرس الأرض يوم نصرنا.

وآذار يا حبي سيجمعنا*** بعرس الأرض في اليوم الثلاثينِ