الاختلاف السياسي -يا سادة- اختلاف أدوات واحترام ذوات وفي الأزمات وقفات وتضامن وتبني آراء، الاختلاف تبنٍّ لرأي وقت الأزمات بلا شماتة ولا سخرية، بل رقي وتقبل بنفس راضية وقناعة عالية.
الاختلاف السياسي ليس سخرية من فصيل أو تقليلًا من قدر زعيم، تمامًا كما فعل إمامنا الرائع الشافعي في مقام أبي حنيفة النعمان، صلى وفق مذهبه احترامًا وتقديرًا، لا سبًّا وشتمًا لإظهار مبدئه وإنجازاته.
نختلف في التفاصيل والطريقة، نرفض سلوكًا ولا نرفض أشخاصًا، نكره كلمات ولا نحقد على قائلها.
اختلاف سياسي في ظل وطنية شاملة، وثبات على المبادئ والرؤى، لا توافق تحت أزيز الطائرات: "كلنا مقاومة"، وغدًا: "بدنا نعيش بأي ثمن وأي طريقة"، لكن نختلف ليكون شعارنا: "بدنا نعيش تحت ظل المقاومة".
الاختلاف -يا سادة- تنوع وتفاوت في مهارات وقدرات لتتنوع الأساليب والسياسات لإمعان العقل وتوظيفه بمزيد من التفكير والتفكر، حتى لا نكون إصدارًا واحدًا بمواصفات مكررة.
نحن مختلفون لنتكامل في طرقنا المختلفة والمتنوعة، انظروا إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فأبو بكر الصديق ليس صورة من عمر، ولا عثمان نسخة من علي، وخالد ليس كعمرو، لكل منهم طريقته وأسلوبه حتى في العبادة؛ فهذا صوام وذاك قوام، وهذا عسكري وذاك إداري ناجح، وتاجر متميز، وتبادلوا الأدوار؛ فهذا سيدنا أبو بكر في حروب الردة يلبس ثوب الحزم والشدة، ويُلبسه لعنوان الحزم عمر حينما قال له: "أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام، يا ابن الخطاب؟!"، ليتقبل عمر النقد الإيجابي، ويلبس عباءة الجادة من جديد، ويصطف خلف سيدنا أبي بكر الصديق، هكذا اختلف صحابة رسول الله، لكن دون غضاضة أو انتقام لنفس أو هوى، وبمرجعية واحدة وتوافق على رؤية جماعية مشتركة، جمعتهم كل القيم الجميلة، لأنهم كرهوا سلوكًا وموقفًا، ولم ينتقدوا كينونة أو إنسانًا.
نحن -يا سادة- من نصنع الطواغيت ونقدسهم، ونحن من يجب أن نكسر أزلامهم وأصنامهم من جديد، علينا جميعًا أن نعيد البوصلة لتشير مجددًا إلى الشمال، شمال التجمع والتوحد المبني على الاحترام واحترام الآخر، والتوافق والاصطفاف حول عنوان يجمعنا في السلم والحرب، في السكون والحركة، لا في وقت الأزمات فقط وتحت مطرقة الظالم والمحتل، بل تكتل حول عنوان في كل الأزمنة وفي كل الظروف والمعطيات.
تَبني الطرف الآخر ودعمه تحت ضربات المِطرقة سلوكٌ غير سوي، إذا كان ردة فعل وخوض مع الخائضين، بل يجب أن يكون لنا موقف وتوجه لا نحيد عنه، بل نجعل من ضربات المقاومة إصرارًا وتحديًا وتمسكًا بموقف والتفافًا حول العنوان، أما التلون في المواقف فهو ليس من سمات النخب والمثقفين، بل من سمات السُوقة والمنتفعين، فكن -صديقي- عفيفًا طاهرًا بلون ولباس وطني، فلسطيني الهوى والهوية، عربي النخوة والمروءة، بعيدًا عن سقطات الساقطين، وطموحات الساسة الخائبين المروجين لذواتهم، بعيدًا عن حب الوطن والانتماء له.
فمرحبًا باختلاف يقودنا إلى نقطة طموح مشترك، وتحقيق ذات، ولا تنسَ -صديقي المختلف- أن الاختلاف تكامل.