اختلف الناس بين مؤيد لحق الشعب في التعبير عن رأيه بحرية وديمقراطية، ومؤيد لإجراءات قوى الأمن في غزة لضبط الأوضاع، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وعدم السماح بعودة الانفلات الأمني إلى قطاع غزة.
وفي الاختلاف حكمة، وفرصة للاحتكام إلى العقل، واللجوء إلى الحوار الوطني، للوصول إلى موقف موحد من جميع قضايا الخلاف السياسية، وعلى رأسها الانقسام، وتداعياته، وكيفية الخروج من هذه الحالة التي باتت لا تنعكس سلباً على الحياة السياسية الفلسطينية العامة فقط، بل تنعكس وجعاً اقتصادياً في أمعاء سكان قطاع غزة بالتحديد.
لا يختلف اثنان في أن غزة تختنق، وتعاني ضائقة اقتصادية منسقة ومنظمة، مرماها تقويض المقاومة الفلسطينية من الداخل، بعد عجز الجيش الإسرائيلي عن تدميرها من الخارج، ويقف من خلف اختناق غزة المنظم الاحتلال الإسرائيلي بحصاره من جهة، والسلطة الفلسطينية بعقوباتها وقطع الرواتب من جهة أخرى، والطرف الضعيف الذي يتحمل تبعيات هذا الحصار والعقوبات هو المواطن، المواطن الذي ينتمي لحركة فتح أولاً، ولحركة حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وغيرهم ثانياً، والمواطن الذي لا ينتمي إلا لفلسطين، ويفتش عن رغيف خبزه بعرق جبينه، بعيداً عن الوظائف والمنح والهبات.
التخفيف عن المواطن الفلسطيني في غزة مصلحة وطنية، وهذا ما ستعجز عنه حركة حماس وحدها، وبقدراتها الذاتية، لأن حركة حماس مستهدفة برأسها المقاوم، ومعاناة المواطن هي السكين التي تجز الأعناق، فإذا نجحت المؤامرة على رأس حماس، طارت كل الرؤوس المؤمنة بحقها في المقاومة، لذلك فإن التخفيف عن حياة الناس هو واجب، ومسؤولية جماعية، وضمن توافق وطني إسلامي من خلال ثلاث خطوات متتالية:
الخطوة الأولى أن تسلم حركة حماس الضرائب التي تجبيها من المواطنين إلى الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، وأن تسلم في الوقت نفسه قوائم برواتب الموظفين العاملين في إطار الخدمة العامة، من قوات أمن، وشرطة ومدرسين وأطباء وممرضين وقضاة، ولتتحمل الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة مسؤوليتها عن إدارة الحياة اليومية لأهالي قطاع غزة، وترتيب مفاصل المؤسسات وفق الرؤية المشتركة، ولا يصح أن تقود هنا، وتنكص هناك.
الخطوة الثانية أن تبدأ الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة في ترتيب الاتصالات مع المجتمع الدولي والعربي بشأن الوضع المعيشي لسكان قطاع غزة، وحاجات السكان والمؤسسات، وآلية التغطية المالية، سواء من خلال الضرائب التي تُجبى بإشراف اللجنة العليا، أو المساعدات والمنح، أو من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل من غزة، وأن تقوم اللجنة العليا بدورها القائد والمنقذ لقطاع غزة، على طريق مسؤوليتها في إنقاذ الوطن فلسطين.
الخطوة الثالثة: إذا نجحت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة في فكفكة الحصار، وتكسير سطوة العقوبات، وتغطية احتياجات سكان غزة، وستنجح، وقتها سيكون من السهل عليها أن تتواصل مع رام الله من موقع الند، وموقع الحريص الفاعل على المصلحة الوطنية العامة، والهادف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتحمل مسؤوليتها عن أوضاع السكان في غزة والضفة الغربية بالعدل، وتشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في وقت متزامن.
غزة على مفرق وجع، وكل يوم يمر يجلب المزيد من المعاناة، وكلما اتسعت المؤامرة ضاق مجال العمل، والانتظار لا يخدم القضية، والتحرك باتجاه لملمة الصف المقاوم ليس ترفاً، وإنما حاجة وطنية يمليها واقع رقعة الشطرنج التي تحرك حجارتها المخابرات الإسرائيلية.