يسعى الإنسان في محطاتٍ عديدة من حياته لإشباع شهواته وتحقيق رغباته، ويمضي العمر دون وصول في أغلب الأحيان إلى ذلك الوهم المنشود، وحقيقة الأمر أن الإنسان يجري خلف سراب مادي لن يتحقق، والنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" قال: إن ابن آدم لو امتلك واديًا من ذهب لتمنى الثاني، والإمام علي رضي الله عنه يقول: اثنان لا يشبعان أبدًا: طالب علم وطالب مال، وبلاد الغرب فتحت أبواب الشهوات على غاربها فانتحر الناس في معظمها رغم امتلاكهم المال وسبل العيش.
فالإشباع صعب المنال في شرق وغرب، وكثيرون ممن سعوا إلى جمع مال أو تحصيل جاه أو سلطان وتسلُّق جبالٍ وخروج عن عادات ليشبع رغبة أو يشبع شهوة فيكتشف عند تحقيق المراد أنه لم يحقق شيئاً أو على الأقل ليس ذلك ما كان يطمح إليه ويحلم به، وحقيقة الأمر أن الإشباع هو الرضا بما قسم الله مع بذل الجهد والسعي الحثيث لتحقيق مكاسب تسعد الروح والقلب وتمهد طريقاً لمن حولك أو خلفك. ولقد علمنا ديننا الحنيف أن الشهوات لا يترك لها العنان بل يكبح جماحها بضوابط وإجراءات لتهذب كما ينبغي.
الرضا ليس خنوعاً واستسلاماً لواقع صعب وحياة مرة، الرضا اكسير سعادة وتقبل للذاتوتعايش مع ذكريات سيئة، وتجارب حزينة مر بها الإنسان وتؤثر على حاضره وترسم معالم مستقبله. بالرضا والقبول يتجاوز الإنسان الكثير من أزماته ومشكلاته، فالرضا عبادة قلبيةودرجة إيمانية عظيمة تتجلى فيها كل معاني الحب والامتثال لخالق عظيم والرضا بقضائه وقدره.
لقد علمتني الحياة أن القدر أقوى من العقل والمنطق ومع شعوري بالرضا لا استسلام لقدر
إلى أن يمضي أو يمضي العمر.
فالرضا ليس هروباً من قدر الله وإنما هروب من قدره إلى قدره، الرضا هروب من قضاء الله بالمرض إلى قضائه بالصحة، ومن قضائه تعالى بالفقر إلى قضائه بالغنى، ومن قضائه بالفشل إلى قضائه بالنجاح والفلاح.
الرضا هروب الأمة من قضاء المحتل وظلمه إلى قضاء العزة والتمكين والمقاومة، فما يقوم به العبد من أسباب هو أيضاً من قدر الله، ولا تخلطوا بين الرضا بالواقع والرضا بقضاء الله فشتان بينهما.
لذا فالرضا قرار يتخذه الإنسان العاقل الفطن مطبقاً لبرنامج حياتي قائم على قناعات نفسية وعقليه فلا سبيل لمرضاة الله إلا بالاعتقاد اليقيني الكامل المبني على المنطق السوي القويم بأن الله هو ربنا ومولانا متكفل بكل شؤوننا وأن كل ما يقدره بعلمه وحكمته.
فالعبد المؤمن يحرص ويروض نفسه على الرضا حتى يرضى الله عنه، فقد شاء الله أن يربط رضاه عن العبد برضا العبد عنه، فهل أنت عن الله راضٍ؟