يقول البعض: طالما كانت حركة حماس غير قادرة على تلبية حاجات الناس في غزة، فلترحل!
قد يكون مظهر هذا الحديث بريئًا ومنطقيًا، فكل قيادة لا تتيح الطعام للناس، والوظائف للخريجين والعمل للعاطلين فلترحل، والقيادة التي لا تطلق يد التصدير والسفر بحرية فلترحل!
المطالبة برحيل حركة حماس في مثل هذه الحالة فيها استغلال لأحوال الناس المعيشية، وفي منطق الرحيل هذا استعانة بسلاح الاحتلال الذي تعمد زيادة نسبة البطالة والفقر والجوع في غزة لأغراض سياسية، ليأتي من يطعن ظهرنا بسلاع عدونا، ويقول للمقاومة، ارحلوا، واتركوا من هم أشطر منكم يحكمنا، فالناس تريد رغيف الخبز ولا تريد الشعارات!
منطق ترحيل المقاومة عن غزة مقابل رغيف الخبز يطرح الأسئلة التالية:
هل نجحت السلطة الفلسطينية في تلبية حاجات الناس في الضفة الغربية بجهدها الذاتي، وموارد الأرض من نفط وغاز وموانئ وتصدير للمنتجات الصناعية الثقيلة، ولتكنولوجيا المعلومات، وللخبرات العلمية، وهل لبَّت السلطة حاجات الناس من جراء المنتجات الغذائية التي تفيض عن حاجة أهل الضفة الغربية، من لحوم مجمدة وخراف وعجول وأسماك، ومن تصدير القمح الفاخر، والأرز وأشجار البلوط، والفواكه الطازجة والخضراوات الندية، والمعادن الثمينة؟
ما مصدر قوة السلطة التي أسهم في تلبية حاجات الناس في الضفة الغربية، وملأ خزائن السلطة ذهبًا، ومدها بالقوة الاقتصادية فغزت أسواق العالم، وصرنا نطلبها في غزة؟
إن مصادر دخل السلطة الفلسطينية الذي أسهم في تلبية بعض حاجات الناس هو التوسل للدول العربية، والاستجداء من الدول الغربية، ومد اليد السفلى للمتبرعين، وهنالك أهم مصدر يتمثل بأموال المقاصة التي تقدمها إسرائيل للسلطة، وكل هذه المساعدات لا تصب في خزائن السلطة لسواد عيون هذا التنظيم، أو لبياض سيرة هذا المسؤول، هذه الأموال التي انصبت في خزائن السلطة كان لها مقابل سياسي، يتمثل في إيجاد الهدوء للمستوطنين الصهاينة من خلال التعاون الأمني! ومن كان في شك من هذا الأمر فليراجع تاريخ قطع الرواتب حين فرض المانحون على الشهيد ياسر عرفات تكليف سلام فياض بوزارة المالية، وتكليف محمود عباس برئاسة الوزراء.
فإذا كانت تلبية حاجات الناس ورواتبهم ومصروفاتهم ومعداتهم يأتي مقابل الهدوء، وتوفير الأمن، بمعنى آخر مقابل التنازل عن الثوابت، فالتريث لا يخدم إلا الصهاينة في مشوارهم لتهويد القدس، والهدوء لا يشجع إلا المستوطنين لطمس معالم الضفة الغربية، والتعاون الأمني مقدس حتى يتم تهشيم بندقية المقاومة، وهذا السلوك يدفع كل وطني حر شريف لأن يقول: بئس الهدوء الذي يلبي حاجات الناس مقابل طحن الوطن، وهتك عرض القضية، وتصفية الوجود.
ولمن يقول: كفى، ولترحل حركة حماس عن غزة، نضيف: هل تحررت الضفة الغربية من بطش الاحتلال لنطالب بتطبيق النموذج نفسه على غزة؟ هل أقاموا الدولة هنالك بسيادة كاملة، وهل صارت القيادة الفلسطينية تمتلك أمرها هنالك، كي ننشدها هنا؟ وهل أزالت الحواجز عن الطرق، وتحكمت في الداخل والخارج كي نعشقها هنا؟ هل رفرف علم فلسطين على كل شبر من أرض الضفة الغربية؟ لو تحقق ذلك، لقلنا معكم، كفى، ولترحل حركة حماس، ولترحل المقاومة، وألف هلا بالقيادة التي أنجزت تحرير الضفة الغربية.
من يقول: كفى، ولترحل حركة حماس، عليه ألا يتفاخر بزمن الثورة الماضي، وعليه ألا يدعي أنه كان مناضلًا، وأنه دخل السجن يومًا ثائرًا، فالثورة ليست لمن سبق، الثورة لمن صدق، لذلك فإن دعوة ارحلوا هي المعادل الموضوعي للهزيمة، وللتذكير أقول: لقد قتل العدو الإسرائيلي في يوم واحد 75 فلسطينيًا من مدينة رفح بتاريخ 18/5/2004 في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه مسيرات عودة، ولم تكن فيه حركة حماس موجودة كقوة سياسية، وصاحبة نفوذ في غزة.