أدرك المحارب الفرنسي الشهير نابليون قيمة الدقائق الخمس، وكانت سببًا في انتصاره على النمساويين وتدمير مملكتهم، وأيقن الخليفة عمر قيمة الثواني ولم يذهب إلى النوم إلا إذا غلبه النوم، وفي الثمانينيات من القرن الماضي أجل الأمريكان إطلاق مكوك الفضاء " تشلنجر" مرتين قبل أقل من خمس ثوانٍ من إطلاقه، إدراكًا ووعيًا لقيمة الثواني، فهل فعلًا يقاس الوقت والعمر والانتصار بالدقائق والثواني؟
كيف لا وفي دقائق قليلة ترضي خالقك وتعيش لحظات سمو وارتقاء مع ربك، خمس دقائق في صلاة وخشوع وقرب تحلق فيها في الآفاق، خمس دقائق تسعد فيها قلب طفل وزوجة وترسم ابتسامة وطريق أمل، خمس دقائق تسعد فيها الأهل والأحبة.
وخمس تعصي الله وتغرق قلبًا بالمعاصي، وخمس أخرى تكسر قلبًا وتحطم رغبة في عيش، وخمسة أخرى تتمنى أن تدوم دهرًا، وخمسة تقصم ظهرًا، وخمس دقائق لإشباع رغبات، وخمس لقضاء حاجات، فحياتنا دقائق معدودة وثوانٍ محسوبة.
هكذا هي حياتنا بين خمسة وخمسة تكمن العديد من المشكلات والأزمات ولحظات السعادة والرضا من الدقائق والساعات والأيام والسنين غير المحسوبة والمدركة، تمضي بنا الأيام بكاءً على ماضٍ أليم، وضجرًا من واقع صعب، وانتظارًا لغد أجمل، لكن دون عمل، لكن –صديقي- اللحظات هي حياتك، سواء رضيت بها أم لا، هي حياتك وعمرك جميلها وصعبها، فهل أدركت قيمتها؟
فكثير من مشكلاتنا تكمن في سوء فهمنا الدقائق الخمس، نطوي الأيام وكأنها سنوات لغيرنا، ونقتل ما تبقى من عمر وكأنه دخيل علينا، نخشى الغد وكأنه لا يمثل مستقبلنا.
صديقي، أعد ترتيب أمورك، واحترم دقائقك وأيامك، سواء رضيت بها أم لم ترض، فأنت ما تبقى من عمرك؛ فاختر كيف ترسم خيوطها وتنسج ملامحها، فالأقدار مجهولة، لكن قدراتك معلومة، وظفها، واحفظها لتكون نقطة مضيئة لغد.
الوقت هو بعضك، وكل يوم يمضي جزء منك؛ فاحرص أن تستثمر ما تبقى منك لما تبقى من عمرك، ولا تعش أسير الماضي باكيًا على أطلاله، حزينًا في واقع قتل ابتسامتك؛ فالمستقبل الجميل ليس مرتبطًا ارتباطًا كاملًا بماضٍ جميل؛ فصعوبة الواقع لحظات عسر وكدر سيفرجها الله بيسر لاحق؛ فتجاوز ماضيك واخرج من دوامته ودوائره المؤلمة، واقبل حاضرك وواقعك وابتسم لمستقبل خيوطه منسوجة بقدر الله، ومدى رضاك عن الله، وقدرتك على التكيف والتعايش في محطات عمرك القادمة، لكن ما دمت حيًّا احترم ما تبقى من عمرك، واحترم وقتك ولحظاتك وأيامك.