تحدثنا في المقال السابق عن شبكات الإنترنت العامة Public Wi-Fi Networks والمنتشرة في الشوارع، التي تزود المستخدمين بخدمة الإنترنت مدة 24 ساعة بشيقل واحد فقط، وخَلُصْنا إلى أن مستخدمي تلك الشبكات من الأطفال يُمكن أن يقع عليهما تهديدان خطيران: أولهما الانحراف السلوكي والأخلاقي نتيجة غياب الرقابة الخارجية (رقابة ولي الأمر)، وثاني هذه التهديدات هو سرقة البيانات والمعلومات الموجودة في الأجهزة التي يتصلون منها بتلك الشبكات، ومما لا شك فيه أن نهاية هذه التهديدات هي الوقوع في مصيدة الابتزاز الإلكتروني، التي قد تكون نتيجتها النهائية السقوط في وحل العمالة، لا قدر الله (تعالى).
ما يدعو أولئك الأطفال إلى الهروب خارج منازلهم لاستخدام تلك الشبكات هي مجموعة من الأسباب، منها شعورهم بالحرية المُطلقة عند استخدام الإنترنت دون حسيب أو رقيب، فيصول ويجول الطفل بين ثنايا المنصات الإلكترونية المختلفة الصالح منها والطالح لكي يلبي حاجة أو شهوة في صدره، ومن تلك الأسباب أيضًا -ولعلها تكون الأخطر في هذ السياق- هو اقتناع بعض أولياء الأمور التام بأن السلامة من شرور المواقع الاجتماعية تكون بمنع وصول خدمة الإنترنت إلى منازلهم منعًا كاملًا وقاطعًا، ويا للأسف!، وجدت أن هذا الاقتناع متجذر في عقول كثير من عامة الناس، وقد تولد عندهم نتيجة طبيعية للخوف من هذه التقنيات الحديثة التي يجهلون كيفية استخدامها ابتداءً، ثم عدم توافر القدرة عندهم على تقديم التوجيه المناسب والنُصْح السديد في كيفية الاستخدام السليم لتلك الخدمات، ففاقد الشيء لا يعطيه.
ذلك السلوك من الوالِدَين سيكون من حيث لا يشعرون بمنزلة تشجيع ودافع قوي لأبنائهما للهروب خارج المنزل لاستخدام شبكات الإنترنت العامة، وبهذا سينقلب حرص الوالدين على أبنائهما إلى ضياع وتشتت، لذا كان من الواجب في هذا المقام تأكيد أن خدمة الإنترنت ستغزو منازلنا جميعًا دون استثناء عاجلًا أو آجلًا، سواء وافقنا أم أبَيْنَا؛ لمواكبة التطور التقني الحاصل في العالم أجمع؛ فمطلوب منا جميعًا -أولياء الأمور- إتقان التعامل مع هذه الخدمات المختلفة حتى نتمكن من تقديم التوجيه المنضبط والنُصح اللازم، قبل أن تأتي اللحظة التي نعض فيها أصابع الندم، ونكون قد خسرنا أبناءنا بشيقل واحد فقط.
رسالة أخيرة أوجهها للجهات الحكومية المختصة بضرورة الوقوف عند مسؤولياتها في متابعة تلك الشبكات غير السلكية العامة، وتحديد مصدرها والحد من انتشارها غير الرسمي، حفاظًا على النسيج المجتمعي من التشرذم والتمزق؛ فأبناؤنا هم حاضرنا ومستقبلنا المُشرق، وأملنا في الحياة، أدام الله (تعالى) علينا جميعًا نعمة الأمن والأمان.