فلسطين أون لاين

​تبعات الإجراءات الإسرائيلية على مستقبل السلطة الفلسطينية 2-2

أثارت القرارات الإسرائيلية باستقطاعات أموال المقاصة الفلسطينية جدلاً إسرائيلياً داخلياً حول مستقبل السلطة ، في ضوء التقديرات الأمنية بأن مكانتها ورئيسها تتراجع بشكل كبير، بسبب معارضته الكفاح المسلح، وتأكيده الدائم على التعاون الأمني مع إسرائيل، وفقدان الفلسطينيين ثقتهم بقيادتهم التي فشلت بتحقيق أي إنجاز سياسي.

اللافت في الخطوات السياسية الإسرائيلية أن الجهات الأمنية تبدي قلقها منها، لأنها ستلقي بظلالها السلبية على مستقبل بقاء السلطة، ما يجعل إسرائيل منقسمة على نفسها إزاء تجفيف منابعها المالية، صحيح أنها تسعى تدريجيا للتحلل من أي التزامات مالية تجاه الفلسطينيين، لكنها في الوقت ذاته لديها قناعة أن الرد الميداني على الاستقطاعات المالية قد يتمثل باندلاع مواجهات قاسية في الضفة.

أكثر وضوحا، فإن المستوى السياسي الإسرائيلي، يرى أن الفلسطينيين لا يستحقون هذه السلطة، أما المستوى الأمني والعسكري فيعتقد أن حسابات الربح والخسارة أمام إسرائيل ترجح كفة بقائها، ليس حباً بسواد عيون الفلسطينيين، ولكن لأن كلفة غيابها لن يكون بوسع إسرائيل تحملها على الصعيدين المالي والأمني.

مالياً: فإن الأعباء الاقتصادية والمعيشية لخمسة ملايين فلسطيني ترهق قدرات إسرائيل، التي ستكون مسئولة عن توفير مستلزماتهم اليومية، وهو أمر استراحت منه منذ أن أُنشئت السلطة عام 1994.

أمنياً: لا تخفي المخابرات والجيش الإسرائيليان سعادتهما الغامرة، وهما يريان أن قسطاً كبيراً من الظروف الأمنية الهادئة "نسبياً" في الضفة، يعود للأداء الأمني والتنسيق الاستخباري الذي تبذله أجهزة أمن السلطة.

ولذلك تتحدث غالبية التقديرات الإسرائيلية أن الرابح الأكبر من سيناريو انهيار السلطة أو حلها هي حماس، لأنها ستعيد تنظيم نفسها وتجديد أنشطتها في الضفة، وستتمكن من بناء قوتها العسكرية بسرعة، وتصعيد مقاومتها المسلحة ضد إسرائيل.

مع العلم أن إجراءات إسرائيل الأخيرة تجاه السلطة الفلسطينية تتزامن مع تحديات أساسية وأزمات قائمة تهدد وجودها: الأول أزمة الزعامة، فعباس ابن 83 عاما يعاني مشاكل صحية خطيرة، وقد لا يقضي كثيرا من العمر، وبالتالي سيضطر لنقل صلاحياته لوريثه في قادم الأيام، بجانب فقدان الدعم الاقتصادي والمالي من الولايات المتحدة وبعض المجتمع الدولي، فضلا عن تراجع الدعم العربي للفلسطينيين، بعد جولات التطبيع مع إسرائيل.

رغم كل هذه المخاوف، تدرك إسرائيل حدود القوة التي تمارسها السلطة، لذلك فإن الضغط عليها قد يستمر في المدى القريب، وستبقى بين السندان والمطرقة لغياب مسار سياسي جدي، وهذه وصفة "الشلل السياسي" التي ترعاها.

هذا يعني أن القراءة المتأنية لطبيعة السلوك الإسرائيلي تجاه السلطة قد يأخذ أبعاداً أكثر عقابية، دون أن تصل الأمور للتسبب بانهيارها كلياً، ويعني أن تبقى السلطة قائمة على الأجهزة الاصطناعية، في تطبيق دقيق لإستراتيجية إسرائيل القائمة على قاعدة "لا تحيا ولا تموت"!