محطات متعددة من القهر والألم عاشها عبد القادر أبو الفحم خلال حياته، تنوعت بين معاناته من إصابته برصاص جيش الاحتلال، وحرمانه احتضان أطفاله، إلى أن قضى شهيدًا خلال مشاركته في أول إضراب عام عن الطعام للحركة الفلسطينية الأسيرة في سجن عسقلان.
تحدى "أبو الفحم" الجلاد الإسرائيلي بجوعه وعطشه، على الرغم من إصابته الناجمة عن اشتباكه في إحدى العمليات الفدائية سنة 1969م، وشكل معلمًا بارزًا لدى الحركة الوطنية الأسيرة، وفي تاريخها المقاوِم خلال نضاله المستمر خلف القضبان، على الرغم من معاناته الفائقة وقسوة السجن.
صحيفة فلسطين زارت منزل ابنته "فتحية أبو الفحم" في منطقة "الجرن" بجباليا البلد في شمالي قطاع غزة، واستعادت شريط ذكريات والدها الذي ولد في قرية برير المحتلة سنة 1929، وهاجر مع أسرته قسرًا سنة 1948، وأقام في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وتقول فتحية (60عامًا) إن والدها درس حتى الصف السابع، وبعد زواجه كانت هي أول أطفاله، ثم رزق بحاتم ورمزية التي قضت على يد جنود الاحتلال في أثناء تفتيشهم البيت بعنف وهمجية، وكانت في وقتها طفلة لم تبلغ أشهرا عدة.
وخلال حديثها عن حياة والدها الذي شكل لها فخرًا طوال سنوات عمرها، كما تقول، ذكرت أنه التحق بالقوات المصرية سنة 1953م، وحصل على دورات عسكرية عدة، وترقى بعدها إلى رتبة عريف ثم إلى رتبة رقيب، وحصل على دورة رقباء أوائل سنة 1960 في مصر وكان الأول على الدورة، فرفّع إلى رتبة رقيب أول.
وأضافت أنه بعد تكوين جيش التحرير الفلسطيني كان والدها قائد التشكيلات العسكرية في قطاع غزة، والمسؤول عن قطاع غزة، وعن مركز تدريب خان يونس، وشارك في تدريب المناضلين عسكريًا، وخاض حربي 1956م و1967م.
وأشارت إلى أن والدها أصبح مطاردًا بعد اجتياح جيش الاحتلال قطاع غزة في حرب حزيران 1967م، وتعمدت قوات الاحتلال اقتحام بيتهم ليلًا، وتعمدت كذلك التخريب والتفتيش بهمجية محاولةً العثور عليه.
وبحسب فتحية، فإن والدها أصيب بما يقارب39رصاصة، خلال مشاركته في إحدى العمليات الفدائية عام 1969م، وظل يعاني من هذه الجروح حتى يوم استشهاده، فاعتقلته قوات الاحتلال, وقدمت محكمة إسرائيلية ضده لائحة اتهامات تحتوي على 110 قضايا، وأصدرت في إثرها حكمًا عليه بالسجن المؤبد مرات عدة.
تروي فتحية معاناتها بعد إفاقة والدها من الغيبوبة وطلبه رؤيتها، فذهبت لسجن عسقلان وهي لا يتجاوز عمرها 10 سنوات لترى معاناة السجون التي كانت وما زالت حتى هذا اليوم.
وتقول إنها رأت والدها من شبابيك صغيرة لا تستطيع حتى من خلال فتحاتها أن تلمس يدي والدها الذي حرمت من أن تترعرع بين يديه.
ورغم وضعه الصحي السيئ كما تقول "فتحية"، شارك والدها في الإضراب الأول للحركة الفلسطينية الأسيرة في سجن عسقلان في الخامس من أيار 1970م، رفضًا لأوضاعهم المزرية داخل السجون.
وبينت "فتحية" أن قوات الاحتلال مارست أبشع الأساليب القمعية بهدف إنهاء الإضراب والتأثير على إرادة المعتقلين وصمودهم، واعتدت على والدها بوضع "البرابيج" الخاصة بالتغذية عبر حلقه وصولًا لمعدته لمحاولة كسر إضرابه.
وبعد مضي خمسة أيام على الإضراب، وتحديدًا في مساء العاشر من أيار عام 1970م تفاقم وضعه الصحي، وحولته قوات الاحتلال إلى عيادة السجن, لكنها لم تقدم له العلاج اللازم، وأُعيد إلى السجن قبل أن يقضي نحبه في اليوم التالي، وفق إفادة "فتحية".
وما إن أذيع خبر استشهاده حتى انطلقت الجماهير الفلسطينية لتشييع جثمانه بحشد جماهيري شاركت فيه كل الفصائل الفلسطينية، ودُفن في مقبرة الشهداء بجباليا.
وباستشهاد "أبو الفحم" يكون هو أول شهداء الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال، الذين وصل عددهم حتى اليوم إلى (218) شهيدًا، بحسب إفادة مؤسسة حقوقية.
والإضراب عن الطعام هو شكل من أشكال النضال يلجأ له الأسرى رغمًا عنهم احتجاجًا على ممارسات الظلم والاضطهاد، ومن أجل انتزاع حقوقهم الأساسية، في حال فشل جميع الوسائل النضالية الأخرى الأقل ألمًا، متسلحين بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين.