أحيانًا قد تدهم الأحداث الفرد أو الشعب أو القادة، منهم من يستسلم لها وينتظر المقادير، والتحولات الإقليمية والعالمية، ويقف عاجزًا حيران، وتبقى يده هي السفلى، وقلة تقبل التحدي، وتشمر عن سواعدها، وتسارع إلى فهمها وتحليل مكوناتها للتغلب عليها والتحكم بها لاحقًا والانتصار، لتكون لها الريادة وصناعة الأحداث، وصفحات التاريخ الذهبية.
إذا ما نظرنا إلى ما يجري من حولنا من أحداث؛ فإن العالم العربي _ومنهم الفلسطيني_ ينتظر الأحداث (ترامب مثلًا) أن تدهمه دون أن يكون له أي تأثير في اتجاهاتها أو الاستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها، كون من يصنع الحدث ليس كمن يستقبله ويجري عليه الفعل، فشتان ما بين الفاعل والمفعول به، والثمن دومًا يدفعه الضعيف والعاجز.
إذا تأملنا الواقع الفلسطيني؛ فلا أحد ينكر أن اتفاق "أوسلو" فرضه القوي _وهو هنا أمريكا وكيان الاحتلال_ على الطرف الأضعف، وهو هنا السلطة الفلسطينية، فلا الدولة أقيمت، ولا التحرر من الاحتلال تحقق، ولا الواقع تغير إلى الأفضل، بل الأسوأ، بدليل تحول الضفة الغربية المحتلة إلى (كانتونات)، ومستوطنات وطرق التفافية، وبؤر ومناطق صناعية، تلاشى معها حلم الدولة الفلسطينية.
كل قوي له نقاط ضعف، وكل قوي لا تدوم قوته، وكل ضعيف له قوى بحاجة للتفعيل والاستكشاف؛ فانظر معي إلى كيان الاحتلال؛ كيف ضعف وخرج مكرهًا من جنوب لبنان، وهدم 20 مستوطنة في غزة بيديه، قال عنها شارون يومًا: "إنها مثل "تل أبيب" (تل الربيع)"، وانظر كيف أن قادته ورؤساءه فاسدون، ونخرت في أجسادهم مختلف السموم، مع حالة القوة الظاهرة المزيفة التي تتغذى على دم فاسد، وهو الدعم الغربي، والأمريكي خاصة.
العالم العربي الحالي هو نتاج حالة القهر والاستبداد من قبل قادته، فمن يأخذ ويحصل على شيء ليس من حقه؛ فإنه لا يستطيع أن يطور نفسه وينهض ببلده، كونه سيبقى يهدر الطاقات في سبيل ما حصل عليه بوجه غير حق، ليحافظ عليه، وكل حكام العرب لم يحصلوا على كرسي الحكم برضا شعوبهم، ومن هنا يمكن فهم أصل المشكلة.
استدركت الشعوب خطر حكامها، وخرجت بالربيع العربي، فسارعت أمريكا وروسيا وكل الدول الاستعمارية إلى تدارك الأمر، واحتواء الربيع أو الانقلاب عليه، وهو ما نجحوا فيه مؤقتًا، ولكنهم بالمحصلة لن يستطيعوا تغيير نواميس الكون القاضية بزوال الظالم.
لاحقًا استدرك الوضع أيضًا الفلسطينيون، واستطاعوا بناء قوة لم تستطع قوة الاحتلال على جبروتها والمدعومة غربيًّا أن تهزمها أو تسحقها، وصمدت في ثلاث حروب متتالية خلال سنوات قليلة، فما عاد الزمن يعمل لمصلحة كيان الاحتلال، الذي يتقلص وينحسر ويزداد بغض وكره دول العالم له.
الأصح في هذه المرحلة الصعبة على القضية الفلسطينية _وخاصة بعد مجيء ترامب، وإعلان الاحتلال دفعة واحدة خططًا لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة_ سرعة تدارك القيادة الفلسطينية للوضع، وعدم ترك الأحداث والاستيطان يدهمانها ويلغيان نهائيًّا فكرة الدولة الفلسطينية، وعليها طي صفحة الانقسام، وتفعيل الطاقات الفلسطينية الخلاقة، والعمل ضمن برنامج وطني موحد، وإلا فإن الزمن يدهمها ولن يرحمها، والتاريخ سيسجل.