لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن استهداف المنطقة الشرقية للبلدة القديمة في القدس المحتلة عند وسيلة محددة، بل يتخذ أساليب متنوعة تسعى في مجملها لإحكام سيطرته على المنطقة بالكامل، وتشريد السكان المقدسيين الأصليين، على حساب تعزيز الاستيطان اليهودي.
وتتعدد وسائل الاستهداف الإسرائيلي ما بين منع عمليات الترميم والإعمار داخل منازل المقدسيين بالمنطقة، وإقامة المشاريع المختلفة في المنطقة سواء التي تحمل الطابع الاستيطاني المباشر أو تلك التي تحمل غايات تهويدية غير مباشرة كالمشاريع السياحية التي يسارع الاحتلال في تنفيذها بالمنطقة خلال الآونة الأخيرة.
ومؤخرًا، صدقت حكومة الاحتلال على مخطط استيطاني جديد لبناء قطار هوائي "تلفريك" بطول 1.4 كم، ورصدت له 200 مليون دولار، حيث سيبدأ مساره من جبل الزيتون شرق القدس، مرورًا بثلاث محطات للركاب ستقام بنقاط مختلفة داخل المنطقة الشرقية وصولًا إلى ساحة البراق غرب المسجد الأقصى.
إلى جانب ذلك، كثفت سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة من استهداف منطقة باب الرحمة بمحاذاة السور الشرقي للمسجد الأقصى إلى الشرق من مصلى قبة الصخرة، فأقدمت على وضع السلاسل على البوابة المؤدية إلى منطقة الباب، قبل أن ينجح المقدسيون في كسرها، بل في فتح مصلى باب الرحمة المغلق منذ عام 2003.
عضو مكتب مؤسسة القدس الدولية شعيب أبو سنينة، أوضح أن مطامع الاحتلال ببسط سيطرته الكاملة على المنطقة الشرقية للبلدة القديمة بدأت منذ احتلال مدينة القدس بالكامل عام 1967، وعلى ضوء ذلك جاء الأمر العسكري عام 2003 بإغلاق مصلى باب الرحمة بعد حظر جمعية "لجنة التراث الإسلامي" التي كان لها مكتب بالمصلى.
وحول أسباب تركيز الاحتلال استهدافه على تلك المنطقة تحديدًا، قال أبو سنينة لصحيفة "فلسطين": "هناك عدة اعتبارات أبرزها مرتبط بسعي الاحتلال لتطبيق التقسيم المكاني على المسجد الأقصى، وإفراغ البلدة القديمة التي تشكل الحاضنة الأولى للأقصى من الوجود العربي الفلسطيني".
وأضاف أن العديد من المزاعم اليهودية الدينية مرتبطة ببعض المعالم والأماكن التاريخية الموجودة في المنطقة الشرقية، بما في ذلك باب الرحمة الذي يسعى الاحتلال للسيطرة الكاملة عليه باعتباره ممرًا مباشرًا إلى مصلى قبة الصخرة ومن ثم إلى باحات المسجد الأقصى، مبينًا أن الاحتلال يعد تواجد الفلسطينيين في منطقة باب الرحمة مدعاة للاعتقال والمحاكمة.
وتتعرض المنطقة الشرقية لمخططات احتلالية عديدة لإحكام السيطرة عليها بدءًا من منع وعرقلة ترميم وتحسين المنطقة، وإغلاق القاعات الأثرية الكبيرة الملاصقة لباب الرحمة وتدمير مصاطب العلم، كما يتعمد المستوطنون الذين يقتحمون الأقصى التوجه إليه والقيام بطقوسهم التلمودية في المنطقة، وتلقي شروحات تاريخية عن الهيكل المزعوم بحماية قوات الاحتلال.
أطماع استيطانية
الباحث في شؤون المسجد الأقصى محمد العمري، عدّ أن هبة باب الرحمة الأخيرة أربكت الحسابات الاستيطانية الإسرائيلية التي تستهدف المنطقة الشرقية، مبينًا أن الاحتلال يسعى لفرض حصار أو طوق يهودي استيطاني على المسجد الأقصى عبر تركيز الاستهداف على المنطقة الشرقية.
وأكد العمري لـ"فلسطين" أن التواجد الفعال والمستمر في تلك المنطقة المليئة بأشجار الزيتون ومصاطب قراءة القرآن والعلم، يعد الخطوة الأولى والأهم في سبيل إفشال مخططات الاحتلال وأطماع الجمعيات الاستيطانية اليهودية.
وخلال شهر رمضان الفائت، نفذ شبان فلسطينيون حملة تنظيف واسعة في المنطقة الشرقية استطاعوا من خلالها التخلص من أكوام الحجارة والأتربة التي تراكمت بالمنطقة بفعل منع الاحتلال دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس من استغلال المنطقة أو إعمارها، وذلك للترويج بأن المنطقة مهجورة مهملة تمهيدًا لبناء كنيس يهودي فيها.
وعقب انتهاء الشهر نصبت سلطات الاحتلال نقطة مراقبة لها فوق سطح قاعة باب الرحمة، حيث تستغلها لمراقبة حركة المصلين واعتقال بعضهم، فضلًا عن توفير الحماية لمجموعات المستوطنين التي تقتحم المنطقة على فترات متقاربة لإقامة طقوس تلمودية مقابل المسجد الأقصى.