مر أسبوعان على لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو، وما زال كل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية إفشال اللقاء. السيد عزام الأحمد اتهم بالأمس حماس بتحريض الجهاد الإسلامي وتعطيل إصدار البيان الختامي، وقبل ذلك كان يتهم الجهاد بتحريض حماس، وكأن حماس وافقت على كل ما جاء في مسودة البيان الختامي الذي لم يرَ النور.
أنا شخصيا أنتقد حركتي حماس والجهاد الإسلامي لأنهما لم تخرجا بتفاصيل ما حدث في موسكو، إلا أن أحد قادة حماس أوضح في تصريحات متقطعة عبر تويتر جانبا مما حدث، حيث أشار إلى أن طرفًا استبق إصدار البيان بتسريب بيان فيه تحريف ونقاط خلافية لم تحسم بعد، وبعض الفصائل عد أن نجاحا نسبيا تحقق في موسكو، مثل خروج الفصائل من حالة الجمود ورفض الجميع صفقة القرن والاتفاق على تأجيل الحديث عن المصالحة واستكمالها فيما بعد برعاية مصر، وهذه أمور يمكن وصفها بالإيجابية.
بعض الإعلاميين والسياسيين حمّلوا حركتي حماس والجهاد الإسلامي إفشال المصالحة في موسكو، وكأن هؤلاء في وادٍ واللقاء في وادٍ آخر، حيث كان الشرط الأساسي للسيد عزام الأحمد للقاء حماس هو عدم طرح موضوع المصالحة وقد كتبت حول ذلك في مقال سابق.
الأمر المهم الذي لا بد من الإشارة إليه هو أن السبب الأساسي لعدم الخروج ببيان ختامي هو رفض حماس والجهاد الإسلامي الانجرار إلى مربع أوسلو، حيث كان المطلوب من الحركتين الموافقة على حل الدولتين كما جاء في الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع العدو الإسرائيلي، أي كان الهدف جر حماس والجهاد إلى مربع أوسلو لتظهر الفصائل موحدة لمواجهة العدو الإسرائيلي وصفقة القرن.
إذا اعتقد الطرف المضيف "روسيا" أن مجرد دعوته الفصائل وقيامه بواجب المبادرة والضيافة ستؤدي إلى إحراج حماس والجهاد الإسلامي ودفعهم إلى التنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني يكون مخطئا. الشعب الفلسطيني قاوم وضحى وصمد في سبيل حماية أرضه ومقدساته وحقوقه وثوابته، ولا يمكن أن يتنازل عن كل ذلك من أجل "عيون بوتين" أو وزير خارجيته.
ثم هناك مسألة جديرة بالاهتمام، ما دام المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية يعترفان بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فلماذا يريدون من حماس والجهاد أن تعترفا بما وافقت عليه المنظمة ؟ لماذا تراجعت (إسرائيل) وأمريكا ودول عربية كثيرة عن التعاطي مع منظمة التحرير وهي تعض على اتفاقية أوسلو بالنواجذ، وتعترف اعترافا "كريستاليا" بشرعية الاحتلال على ثلاثة أرباع الوطن، ما الذي سيتغير لو اعترف الشعب الفلسطيني كله بشرعية الاحتلال؟ طبعا شعبنا لن يعترف وفصائل المقاومة لن تتراجع، ولكن لو فعل شعبنا ذلك لحققت (إسرائيل) أسمى أمانيها ولما حصل شعبنا على شيء إضافي سوى المزيد من الضغط والتعنت من جانب الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك من مصلحة شعبنا ومن مصلحة منظمة التحرير أن تبقى الفصائل المقاومة على موقفها لحفظ خط الرجعة ولتكون سندا لمنظمة التحرير حين تكتشف الأخيرة أنها تجري خلف سراب اسمه "حل الدولتين".