يتواصل الوضع الإنسانيّ في غزّة تأزّماً، بعد تعثر المنحة القطريّة، لعدم التزام (إسرائيل) بتفاهمات التهدئة التي رعتها الأمم المتّحدة ومصر وقطر، ووضع شروطها الجديدة على تفاهمات التهدئة للسماح بدخول المنحة، أهمّها وقف مسيرات العودة.
وسط هذه التطوّرات، تحدثت أوساط إسرائيلية أن المبعوثين الدوليين الذين وصلوا غزة أوائل فبراير الجاري نقلوا إلى تل أبيب ما قالوا أنها سيناريوهات اقترحتها حماس عليهم كي تنقلها إلى (إسرائيل)، أولها: أن يتحمّل الرئيس محمود عبّاس مسؤوليّة غزّة، وهو أمر صعب الآن، أو نقل سيطرة غزّة للأمم المتّحدة ومصر، أو الدخول في مواجهة عسكريّة بين حماس و(إسرائيل)، ثمّ وصول قوّات دوليّة للقطاع.
من الواضح أن استمرار الأزمة الإنسانيّة في غزّة بسبب حصار (إسرائيل) وعقوبات السلطة يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وقد شهدت الشهور الأخيرة مداولات فلسطينية عربية دولية، للفكاك من هذا الحصار، وعدم التسبّب في انهيار القطاع، أو حدوث فراغ فيه، لأنّ استمراره لا يخدم الهدوء في غزّة، الذي تبدو كل الأطراف حريصة عليه.
عند تحليل السيناريوهات المذكورة التي تحدثت عنها إسرائيل، يمكن رؤية أنّ كلّ واحد منها تعترضه جملة إشكاليّات ليست سهلة، فالسلطة الفلسطينيّة لن تعود إلى غزّة دون أن تسلّمها حماس سلاحها، وفق صيغة تمكين حكومة التوافق في القطاع، ولا يبدو أنّ مصر والأمم المتّحدة معنيّتان بالتورّط في إدارة شؤون غزّة بعيداً عن التوافق مع السلطة الفلسطينيّة التي تتمتّع بالشرعيّة الدوليّة، أمّا خيار الحرب فقد جرّبه الفلسطينيّون 3 مرّات بين عامي 2008 و2014، ولم ينجح في رفع حصار غزّة أو تخفيفه.
ربما تعتبر السيناريوهات المذكورة التي تحدثت عنها (إسرائيل)، وصمتت حماس عن التعليق عليها، مناورة فلسطينية جديدة من غزة، هدفها إرسال رسائل إلى (إسرائيل) تفيد بقرب انفجار الأوضاع في القطاع، بحيث لن يكون في وجه (إسرائيل) لوحدها، بل ربّما يكون له ارتدادات إقليميّة، ولعل حماس، وفقاً لأصحاب هذا الرأي، أرادت بكشف سيناريوهاتها التحذير من أنّ استمرار حصار غزّة يعني اقتراب انفجارها أقرب من أيّ وقت مضى.
أخيراً..إن الإشكال الذي يواجه الفلسطينيين عموماً، أنهم يعيشون أزمات متباينة، فيما تبدو (إسرائيل) الأقل انشغالا بالبحث عن خلاص للكارثة المتحققة في القطاع، لأنها تعتنق عقيدة سياسية قديمة جديدة مفادها التمسك بالأمر الواقع، وشراء مزيد من الوقت لما بعد الانتخابات القادمة، والمماطلة والتسويف.
هذا الأسلوب جربته (إسرائيل) مع منظمة التحرير الفلسطينية طيلة ثلاثة عقود من المفاوضات، وفي النهاية لم يتحقق المراد منها، واليوم تحاول إعادته مع حماس، عساها تحقق الهدف ذاته!