خرج الدكتور نشأت الأقطش بسيفه الوطني مدافعاً عن الحق الفلسطيني، إنها المبارزة الإعلامية التي فرضت عليه أن يتقدم للنزال، مفنداً هزالة المنطق الإسرائيلي، وضعف حجة الغزاة، وأزعم أن الهروب من المواجهة الإعلامية لا يقل خللاً عن الهروب من المواجهة العسكرية، لذلك استعار الدكتور الأقطش أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة حين فاجأ عدوه، ووظف صواريخها كي يقصف فكره العدواني، ولم يكن الدكتور الأقطش هو الأكثر بلاغة وفصاحة وخبرة إعلامية من الصهيوني إيدي كوهين، بل كان الحق الفلسطيني هو الأبلج، وكان اللسان الفلسطيني هو الأنقى، وكانت اللغة العربية لغة الانحياز إلى الدم النازف وطهارة الفكرة.
قد يجوز للبعض أن يناقش فكرة استضافة صهاينة عبر الإعلام العربي، وهل هو جزء من التطبيع أم لا؟ وقد يجوز مناقشة فضائية الجزيرة في هذا الشأن، ومحاورة برنامج الاتجاه المعاكس، وهل يخدم مثل هذا اللقاء القضية الفلسطينية أم يخدم السياسة الإسرائيلية، ويفتح لها الأبواب لنشر سمومها العدوانية ضد الأمة العربية، ولكن لا يجوز النقاش حول نوع السيف الذي حمله الدكتور نشأت الأقطش في المواجهة، وراح يدافع فيه عن الحق العربي، ولا يجوز النقاش حول موقف د. الأقطش نفسه من اللقاء، ومصداقيته، وانتمائه الوطني، وقدرته الرائعة على تجحيم الفكر الصهيوني، وتكسير أذرع العدوان، وكشف الغطاء عن الأطماع الصهيونية، وتجريد أنصار التطبيع الحقيقي من ثيابهم المزركشة باللقاءات اليومية مع الأعداء.
إن الهجوم الذي تعرض له الدكتور الأقطش من إدارة جامعة بير زيت وبعض طلابها، لا يعكس موقفاً وطنياً محضاً، ولو كان كذلك، لوقف هؤلاء الطلاب وأمثالهم في وجه قيادة السلطة التي تلتقي مع نداف أرغومان رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية بشكل دوري، وبهدف التعاون الأمني ومحاربة المقاومة، وهذا هو الخطر الحقيقي على القضية الفلسطينية، وليس المواجهة الإعلامية التي داس فيها الحق الفلسطيني على عنق الباطل الإسرائيلي.
إن الهجوم على الدكتور الأقطش لم يكن بسبب سيفه الإعلامي المسلول، الذي شحذه ضد التطبيع حين رفع من شأن المقاومة الفلسطينية، واحتقر التعاون الأمني، إن الهجوم على الدكتور الأقطش انصب على موقفه من قيادة منظمة التحرير، حين اعتبرها غير ممثلة للشعب الفلسطيني، وأن آخر تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني كان في انتخابات 2006، حين فازت حركة حماس بالأغلبية، وأن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى ممثلين جدد، يرتقون إلى مستوى عطائه وتضحياته، وهذا منطق الأوفياء للقضية بشكل عام، المنطق الذي لا يرضى عنه تجار الوطنية، وهم يفضلون احتكار هذه السلعة، وبيعها في السوق بالسعر الذي يطلبون، من هنا جاء الهجوم المنظم على الرجل د. الأقطش، لأنه لم يطبل، ولم يطبع مع المطبعين، الذين ينامون في سرير واحد مع الإسرائيليين طوال الليل، ثم يديرون الظهر للقاء إعلامي في وضح النهار.
اعتذار الدكتور الأقطش عن اللقاء لا يرجع لسوء التقدير كما قال، وإنما الاعتذار جاء بعد تعرضه للتهديد، والتجويع، وقطع الأرزاق، ولو تم استطلاع رأي نزيه عن اللقاء الذي تم بين الدكتور نشأت الأقطش وعدوه إيدي كوهين، لكانت النتائج في صالح القضية الفلسطينية، التي ربحت المعركة، وكسبت المزيد من المؤيدين للمقاومة، جراء لقاء الحق والباطل الذي رعفت فيه قلوب وعقول شباب الأمة العربية، وتضوّع فيه أريج صباياها تأييداً للقضية الفلسطينية.
ومن خلال متابعتي للإعلام الإسرائيلي الذكي والموجه، لاحظت مدى حرص كل الأبواق الإعلامية الصهيونية على استضافة متحدث فلسطيني بالعبري، ومحاورته، بل وإعطائه الفرصة كي يهاجم السياسة الإسرائيلية، وبعد ذلك؛ تستضيف وسائل الإعلام شخصية إسرائيلية وازنة، وتتركه يفند كل الادعاءات العربية التي لا تنسجم مع العدوان الصهيوني، وهذا ما قام به الدكتور نشأت الأقطش، الذي لم يكن بحاجة إلى درع كي يصد عن القضية الفلسطينية ضربات العدو الهزيلة، بمقدار ما كان فناناً في الطعن برمح المقاومة، وذكياً في استخدام سيف الحق الفلسطيني في حز عنق التدليس والكذب الإعلامي الصهيوني.