بات من المتوقع في ظل حملة انتخابية إسرائيلية حامية الوطيس أن نتوقع كل أمر غير متوقع، سواء ما تعلق بقرارات تخص الوضع في قطاع غزة، وإمكانية التصعيد العسكري، أو ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حتى لو بدا مثل هذه القرارات مستبعدا جدا قبل أسابيع قليلة.
آخر الخطوات الإسرائيلية تمثل باستقطاع نسبة كبيرة من أموال المقاصة التي ترسلها للسلطة الفلسطينية نهاية كل شهر، بزعم أنها تواصل دفع مستحقات الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء، على اعتبار أنه يعزز العمليات المسلحة، ويشجع الفلسطينيين على تنفيذها بعد أن يطمئنوا على رعاية شئون عائلاتهم المعيشية والاقتصادية.
من الصعب التسليم بهذه الفرضية الإسرائيلية التي تزعم أن منفذي العمليات تكون لديهم حسابات من هذا القبيل، لكن الخطوة الإسرائيلية المذكورة قد تكون لها جملة أهداف من بينها:
1-تقديم دعاية انتخابية جديدة على مذبح اليمين الإسرائيلي المتعطش لأي خطوة متطرفة ضد الفلسطينيين.
2-الضغط على السلطة الفلسطينية لثنيها عن التراجع عن توجهها نحو الأسرى وعائلات الشهداء.
3-محاولة تخويف الشبان الفلسطينيين الذين ينوون تنفيذ هجمات ضد الجيش والمستوطنين بأن عائلاتهم ستكون في مهب الريح، لأنها لن تجد من يعيلها في حال اعتقلوا أو استشهدوا.
ضمن هذه الأهداف، هل يمكن أن نعثر على هدف ضمني أو علني يسعى لإسقاط السلطة الفلسطينية نهائيا، أو العمل على زعزعة وجودها تدريجيا، على اعتبار أن المبالغ المستقطعة قد تهدد الموازنة العامة للسلطة، التي تعاني أزمة مالية خانقة، وقد لا تحتمل المزيد من الضغوط المالية عليها؟
الحقيقة أن مثل هذا الهدف ليس قرارا إسرائيليا فحسب، لأن إنشاء السلطة الفلسطينية ذاتها لم يكن قرارا إسرائيليا بحتاً من الأساس، بل جاء عقب توافق فلسطيني إسرائيلي إقليمي دولي، وبالتالي فإن طي صفحة هذه السلطة لا بد أن يكون بتوافق هذه الأطراف مجتمعة، أو غالبيتها على الأقل، الأمر الذي لا يبدو أنه متوفر حتى كتابة هذه السطور.
ما زالت السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية، ووظيفتها الأمنية، تمثل حاجة إسرائيلية ملحة، لاعتبارات كثيرة، ولم يحن الوقت بعد لطي صفحتها، حتى لدى عتاة اليمين الإسرائيلي، في ظل التحضيرات الأمريكية لإعلان صفقة القرن، وترقب ما قد تسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
التقدير الأكثر ترجيحا قد يتعلق بأن (إسرائيل) الذاهبة لصناديق الاقتراع بعد خمسين يوما أرادت أن "تقرص" أذن السلطة الفلسطينية أكثر من كونها تريد التخلص منها، أما بالنسبة لتعويض الأموال المستقطعة إسرائيليا، فربما ستجد (إسرائيل) العديد من "مطفئي" الحرائق الإقليميين الذين سيبقون السلطة تتنفس، ولو بصعوبة، وما أكثرهم هذه الأيام!