بعد أن كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو تسابق الزمن لانتهاز كل فرصة لفرض حقائق على الأرض بتوسيع مستوطناتها بالضفة الغربية المحتلة وإقامة تكتلات تقطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية، بدأت ترفع سقف مخططاتها التي تجلت بتعهد الأحزاب الإسرائيلية بزيادة عدد المستوطنين بالضفة إلى مليونين، رغم أن عددهم حاليا يبلغ قرابة 800 ألف مستوطن.
هذه الخطوة، وفق مختصين في الشأن الإسرائيلي تحدثا لصحيفة "فلسطين"، تمنع قيام أي دولة فلسطينية، وتفرض الحل النهائي، وتختزل أي حل سياسي إلى ما هو أقل من حكم ذاتي بصلاحيات بلديات، وهذا التوجه استثمار إسرائيلي في المعركة القادمة لمزيد من سفك الدماء والحرب، والتوجه نحو إقامة ما يشبه دولة للمستوطنين بالضفة الغربية تنافس المدن الفلسطينية ديمغرافيا وجغرافيا.
وكشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، مؤخًرا النقاب عن فحوى كتاب تعهد وقّع عليه عشرات من أعضاء "الكنيست" الإسرائيلي من حزب الليكود وأحزاب اليمين، يعد المستوطنين بزيادة عددهم في الضفة الغربية حتى مليوني مستوطن خلال السنوات القادمة، وفقًا لخطة لرئيس الوزراء السابق إسحاق شامير.
وبينت الصحيفة أن من بين أعضاء الكنيست الموقعين على كتاب التعهد رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، والوزراء: يسرائيل كاتس، زئيف ألكين، جلعاد اردان، أييلت شكيد، نفتالي بينيت، ميري ريغيف، تساحي هنغبي، أيوب قرا، يوآف جالانت، جيلا جامليئيل، واوفير أكونيس.
السيطرة على الموارد
المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش يرى أن الاستيطان هو البرنامج الرئيس لحكومة الاحتلال الحالية، عادا أن الحديث عن رفع أعداد المستوطنين بالضفة لمليوني مستوطن محاولة لإرضاء شركاء نتنياهو.
وقال أبو غوش لـ"فلسطين": إن جوهر البرنامج الاستيطاني قائم على القضاء على أي فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية، ليس فقط لإرضاء الفئات الإسرائيلية المتطرفة بل لرسم الحل النهائي على الأرض قبل أن يكون هناك أي فرصة لتحريك الحل على طاولة المفاوضات.
ويرى أن الاحتلال سيلجأ إلى السيطرة على الموارد الفلسطينية بالضفة الغربية وسيشمل ذلك ضم معظم المناطق المصنفة "ج" تمهيدًا لزيادة أعداد المستوطنين، خاصة أنه في عهد حكومة نتنياهو شهدت الضفة أوسع مرحلة بناء للمستوطنات، وأنها تعرض امتيازات وتخفيضات لأسعار الشقق في تلك المستوطنات للإسرائيليين.
ولفت إلى أن الاحتلال يركز على القدس المحتلة حاليا، في وقتٍ هي محاصرة بمجموعة من الكتل الاستيطانية الضخمة، بدءًا من مستوطنات جبل أبو غنيم و"معاليه أدوميم" التي يسكنها نحو 40 ألف مستوطن، و"غوش عتصيون" التي يسكنها نحو 100 ألف مستوطن، فضلا عن مستوطنات غرب رام الله التي يسكن فيها قرابة 85 ألف مستوطن.
وبين أبو غوش أن الاحتلال يعمل على فصل الضفة عن طريق إقامة تكتلات استيطانية تمتد من قلقيلية مرورا بسلفيت ورام الله والقدس من خلال تواصل جغرافي فيما بينها كل شريط فيها يمتد من الشرق للغرب ويفصل الضفة.
ويعتقد أن طرح الاحتلال زيادة أعداد المستوطنين إلى مليوني شخص، ليس فقط للمزاودة الانتخابية، فعلى الأرض تتواصل العطاءات لبناء وحدات استيطانية جديدة.
مخططات مستقبلية
و يرى الخبير في شؤون الاستيطان د. حسن خاطر أن الاستيطان هو أساس المشروع الإسرائيلي، عادا أن الإعلان عن التعهد برفع عدد المستوطنين بالضفة إلى مليوني مستوطن يأتي في إطار محاولة كل حزب تقديم أعلى سقف ممكن للناخبين الإسرائيليين للحصول على أصواتهم.
وقال خاطر لـ"فلسطين": إن هذه المرحلة هي مرحلة الكشف عن المخططات المستقبلية، مشيرًا إلى أن الاستيطان مستمر ولم يتوقف للحظة واحدة بالضفة الغربية، وأن الاحتلال ينفذ مخططات كبيرة على الأرض، وأن هناك توسعات على مستوى كل المستوطنات.
ولفت إلى أن رفع عدد المستوطنين إلى "مليونين" يعد سقفا جديدا يحاول أن يصل إليه الاحتلال، وأن تكون الضفة دولة المستوطنين أكثر حضورا من الدولة الفلسطينية من الجانب الديمغرافي، ويلمس هذا التوجه من يتجول بالضفة والقدس.
وأردف: "واضح أن الاحتلال يقيم ما يشبه دولة للمستوطنين من الناحية الديمغرافية تنافس السكان الفلسطينيين بهذا التوجه، وكذلك بالبنى التحتية والإمكانات والقدرات التي تمتلكها"، مشيرا إلى عدم امتلاك الفلسطينيين خطة لمواجهة ما يجري على الأرض باستثناء المقاومة الشعبية المحدودة التي أصبحت مكشوفة وغير مدعومة إلا من إمكانات أهلها بالالتحام المباشر مع الاحتلال.
ونبه إلى أن هناك إمكانات مادية كبيرة لدى الاحتلال لرفع العدد لمليوني مستوطن، في وقت لا يوجد خطط وإمكانات فلسطينية ومساندة عربية ودولية للمواجهة، باستثناء ما يتم من حركة المقاطعة العالمية (BDS) التي تقاوم آثار الاستيطان ومنتجات المستوطنات، لكنها خطوة غير كافية وحدها.