د. عدنان أبو عامر
نجح التحقيق التلفزيوني الإسرائيلي الذي تبثه القناة 13 مساء كل يوم، في جذب انتباهي عبر حلقاته الخمس الموسعة، التي استضافت فيها العديد من الشخصيات العربية والإسرائيلية والدولية، واضطلعت بأدوار عديدة في التأسيس لهذه العلاقات، وإنضاجها على نار هادئة.
الحقيقة أنه لا يمكن منح أي من الدول العربية العذر والتبرير في إقامة علاقات، أي علاقات، مع إسرائيل، الدولة المحتلة الغاصبة، سواء كانت علاقات طوعية أم اضطرارية، على اعتبار عدم وجود دافع أو حافز يشرعن ذهاب تلك الدول باتجاه تطبيع علاقاتها معها.
في هذه الأيام يحيي المصريون والإسرائيليون مرور أربعة عقود على توقيع اتفاق كامب ديفيد، وهناك قناعة مشتركة أن السلام ما زال محصورا في المقار الرئاسية للدولتين، ولم يغادر مباحثات زعمائهما، ولقاءات قادتهما، ولم يستطع أن ينزل إلى المستويات الشعبية والجماهيرية، رغم ما بذلته الأوساط الرسمية في البلدين لجعل هذا السلام بين الشعبين، دون جدوى، بل إن مصر تعد الدولة التي يرى مواطنوها أن كلمة (إسرائيل) تساوي كل شر وعدوان، أكثر من باقي الدول العربية.
وكذا الحال مع الأردن، حيث يمر هذا العام ربع قرن على توقيع اتفاق وادي عربة مع إسرائيل، ورغم وصول علاقات عمان وتل أبيب إلى ذروتها، خاصة في المستويات السياسية والأمنية، لكن حجم التفاعل الشعبي الأردني مع الاتفاق لا يتجاوز صفرا كبيرا على الشمال، وتواجه حملات التطبيع الإسرائيلية لدى الأردنيين إخفاقات متتالية.
اليوم، حين يزداد الحديث عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية الخليجية دون مبرر جغرافي أو سياسي، تظهر جملة من الأسئلة الباحثة عن إجابة، حول مسوغات انطلاق الأمراء والملوك العرب في الإسراع بهذه العلاقات، حيث لا حدود مشتركة بينهما، ولا صراعات جغرافية، الأمر الذي قد تتذرع به دول الجوار لفلسطين في محاولة شرعنة علاقاتها غير المشروعة مع (إسرائيل).
ليس هناك من قاسم مشترك بين دول الخليج و(إسرائيل)، يجعل من إقامة العلاقات بينهما أمرا ملزما ومنطقياً، اللهم إلا إذا صدقنا أكذوبة العدو المفتعل الممثل في إيران، على اعتبار أنها عدو مشترك للخليجيين وإسرائيل، ما يعد نجاحا للأخيرة في تسويق نفسها شريكا متوهماً لمواجهة إيران، الدولة الجارة الطبيعية في المنطقة، التي يمكن أن نختلف معها في الكثير من الملفات، لكنّ وجودها في هذه المنطقة أمر طبيعي: تاريخياً وجغرافياً، الأمر الذي تفتقده (إسرائيل).
أتابع التحقيق التلفزيوني الإسرائيلي، وينتابني أسى شديد وحزن أشد على مآلات العلاقات العربية-العربية، التي تحيط بها جملة من الصراعات والحروب، في حين يتسابق العرب، أو بعضهم لمزيد من الدقة، لاستبدال علاقات الإخوة مع محتل غاصب، لا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة!