بينما يجد رئيس السلطة محمود عباس الوقت الكافي لمهاجمة المقاومة الفلسطينية، وفرض المزيد من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة، إنه على ما يبدو لا يجد متسعًا للحديث عن مدينة القدس المحتلة، وما يحدث لها من عمليات تهويد احتلالية على مختلف الصعد.
عباس ألقى في أيلول (سبتمبر) 2018م خطابًا أمام الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حينها لم يذكر مدينة القدس المحتلة إلا بموضع تأكيده أن الاعتراف الأمريكي بالمدينة عاصمة لكيان الاحتلال يقوض عملية التسوية الفاشلة أصلًا، ويدمر خيار إقامة دولة فلسطينية على ما يعرف بحدود 1967م.
ولم يكن تجاهل عباس القدس ومعاناة أهلها خلال الخطاب الأممي الأخير إلا دليلًا على غياب أوضاع العاصمة الفلسطينية المحتلة عن جدول أولويات السلطة في رام الله، مقابل تركيز جل جهودها على فصل الضفة الغربية المحتلة عن باقي الوطن المحتل، وتدمير مقومات صمود أهالي غزة في وجه الحصار الإسرائيلي المشدد منذ أكثر من 13 سنة.
الباحث في الشأن المقدسي جمال عمرو يؤكد أن "السلطة في رام الله أخرجت مدينة القدس من أولوياتها منذ الأيام الأولى لتسلم عباس قيادة السلطة في 2005م، وهذا الذي تأكد بعد نشوب الانقسام الداخلي، عندما غلبت السلطة قضايا الانقسام والانتقام من غزة على أي شيء وطني آخر".
ويقول عمرو لصحيفة "فلسطين": "لو سخر عباس نصف جهوده التي يبذلها في سبيل فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة والأراضي المحتلة منذ 1948م، لتدويل قضية القدس وحشد الجهود المحلية والإقليمية والدولية في سبيل الدفاع عنها أمام الهجمات الإسرائيلية؛ لكان حال القدس أفضل مما عليه بألف مرة".
ويضيف عمرو: "يمارس عباس العديد من السياسات التي تهدف إلى تعزيز انفصال الضفة، وتثبت أركانه سلطته في رام الله، دون أي اعتبار لمدينة القدس"، متسائلًا: "ماذا فعل عباس بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لكيان الاحتلال؟!، هل أوقف التنسيق الأمني أم مارس المزيد من الضغوطات على غزة؟!".
بدورها تشير المرابطة المقدسية خديجة خويص إلى أن سياسات السلطة تجاه القضايا الفلسطينية تساهم مساهمة سلبية وحادة في تبديل اهتمامات الشارع الفلسطيني، ولفت نظره عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، و"هي بذلك تقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تدمير الوعي الفلسطيني تجاه القدس"، حسب رأيها.
وتبين خويصلصحيفة "فلسطين" أن القدس غائبة عن اهتمامات السلطة الفلسطينية قولًا وفعلًا، مقابل تركيز جهودها على زيادة مسببات الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، دون أي اهتمام يذكر بفضح ممارسات الاحتلال بحق مدينة القدس، وعمليات التهويد الممنهجة لها.
"يا للأسف الشديد!، القدس تدفع الثمن الأعلى لاستمرار الانقسام الفلسطيني الذي يقوده عباس" تقول المواطنة المقدسية، داعية السلطة إلى تعزيز صمود المقدسيين المرابطين في أزقة القدس، واستثمار المحافل الدولية في تسليط الضوء على أوضاع مدينة القدس، وحشد الدعم الدولي في سبيل نصرتها وإبطال مخططات الاحتلال التي تستهدفها.
ويذكر أن أجهزة أمن السلطة أفرجت منتصف الشهر الماضي عن المدان ببيع أراض وعقارات في القدس المحتلة لجمعيات استيطانية إسرائيلية عصام عقل، بموجب اتفاق سري مع الإدارة الأمريكية، استجابة لمطالب إسرائيلية.
وكانت أجهزة السلطة اعتقلت عقل من مقر إقامته بمدينة رام الله وسط الضفة المحتلة نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إذ كان يشغل منصبًا بالسلطة الفلسطينية، وموظفًا في مستشفى فلسطيني بالقدس المحتلة.