رغم مرور أكثر من ربع قرن على توقيع اتفاقية أوسلو لم يتم تحقيق أي تقدم في المفاوضات الدائرة بين منظمة التحرير والعدو الإسرائيلي، بل على العكس، ازداد الوضع سوءا منذ تولي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخلال السنوات الخمس الأخيرة عُرضت أفكار إسرائيلية كثيرة شبيهة بما تسمى صفقة القرن، ولكن لم تحدث أي ضجة ولا ثورة داخل مؤسسات منظمة التحرير بالشكل الحالي، ومنذ عشر سنوات لم يحدث اختراق يذكر لجدار الانقسام الداخلي، فما الذي تغير حتى يتم فرض عقوبات على غزة؟
الشيء الوحيد الذي تغير أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية غير مسبوقة بعد أن قطعت الولايات المتحدة الأمريكية منحتها السنوية لها، ثم قطعت الدعم عن وكالة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ثم زادت " إسرائيل" من عمليات القرصنة لأموال الضرائب الفلسطينية التي يجبيها الاحتلال نيابة عن السلطة.
رئيس وزراء حكومة التوافق صرح بأن الحكومة استطاعت أن تعوض ما قطعته أمريكا من مساعدات، وإذا فتشنا عن كيفية ذلك وجدنا أن التعويض كان على حساب المواطن الفلسطيني بزيادة الضرائب والأسعار والرسوم، أي أن الحكومة صمدت والمواطن بالكاد يستطيع الصمود عاما أو عامين على هذا المنوال، ولما ازداد الضغط على الحكومة صارت تبحث عن طرق مبتكرة لإنقاذ نفسها من الإفلاس، فكانت فكرة صندوق الضمان الاجتماعي الذي قوبل برفض واسع من الشارع، حتى اضطرت الرئاسة للإعلان عن تأجيل تطبيقه، ولكن بالأمس قيل إنه تم الإيعاز للأطراف المختصة بمباشرة تطبيق القرار بعد إجراء تعديلات أو ما شابه، أي أن القرار سيتم تنفيذه رغم المخاطر التي قد يتسبب بها، ولذلك فأنا لا أستبعد أيضا أن قطع الرواتب والمخصصات المالية عن بعض الفئات في غزة قد يكون بسبب الأزمة المالية للسلطة، لأنه _كما سبق وقلت_ لا شيء جديد في الانقسام حتى يتم اتخاذ عقوبات مالية بهذا الشكل.
ما يحدث الآن هو أزمة خانقة، بل اختناق في غزة تخشى دولة الاحتلال من مضاعفاته، وأزمة اقتصادية متصاعدة في الضفة الغربية تنذر بالكثير من الاضطرابات، ويمكننا القول إنه إذا لم يتم التوصل إلى حلول عاجلة وناجعة من خلال مصر أو لقاء الفصائل في روسيا فإن الأوضاع ستنهار وستضطرب المنطقة بشكل مخيف خلال شهر على الأكثر.