بالشهادة تحرر الأسير الفلسطيني فارس بارود، وترك من خلفه السجن يئن بالقيود، لقد تحرر فارس رغم أنف السجان، وبعد أن ضاق ذرعاً بصدأ القضبان، ليخرج فارس إلى العالم الرحب والأوسع من زنزانة، والأكبر من فسحة، والأشمل في الرجاء والأمنيات، لقد صار الأسير شهيداً، ينادي بالعدالة بعيداً عن غبش الدنيا، وعن قطع الرواتب، ومطامع السلطان..
خرج فارس بارود من السجن مسجى على ظهره، يلتفت بوجهه إلى السماء، تاركاً ذكرياته التي نقشت على جدران السجن أحلامه بالحرية، خرج فارس من الدنيا كلها، وترك ذاكرته التي انزوت في زنزانة منسية في أحد السجون الإسرائيلية، لقد حلم فارس أن يرجع إلى بيته في بيت دراس مشياً على الأقدام، وأن تستقبله الأكف بالتصفيق والإقدام، وحلم فارس أن يرجع إلى مرابع صباه، إلى المخيم الذي عشقه ورباه، ليمشي مزهواً بشبابه ورجولته ونخوته وبطولته، حين كان يافعاً ابن 22 عاماً، يفتش في كتب الدراسة عن معاني فلسطين، ويسأل شباب الانتفاضة عن سبل الحرية والتحرير، ويشارك في أعمال المقاومة للغاصب، بحثاً عن وطن، وبحثاً عن حق العودة، وبحثاً عن فلسطين المغتصبة، ولم يكن يعلم فارس بارود أن اتفاقية أوسلو ستقف لأحلامه بالمرصاد، وستقيد أمنياته بالأوتاد، وسيصير الوطن فلسطين قطعة صغيرة من أرض تباع بالمال وتشترى، وتصير العودة حلماً مزعجاً لأصحاب المصالح والنفوذ، وتضيق مساحة فلسطين حتى لا تتسع لحروف الكلمات التي كتبها شباب الانتفاضة على الجدران.
فارس بارود صار حراً، وامتلك الفضاء والقضاء والرجاء والبهاء، وترك لكم الدنيا، وما فيها من غثاء، لقد حقق حريته الشخصية دون تفضل من أحد، ودون انتظار لتحقيق الوعود بالسلام والوئام، لقد صارت روحه اليمام، وهي تخترق الأسوار، وتكمل المشوار، بعد أن تخلت عن الجسد المقيد بالزنازين، وراحت ترفرف بأجنحة النقاء فوق كل فلسطين، تودع السجناء الذين تركتهم الاتفاقيات للمجهول، بلا أب سياسي يحنو عليهم، وينشغل بمصيرهم، وبلا أم وطنية تبكي لحالهم، وتفكر في حريتهم، لقد طافت روح فارس على كل الزنازين، وصافحت الأسرى، ومسحت الحزن من العيون، وهدهدت الدمع في جفون أمهات الأسرى وبناتهم وزوجاتهم، الذين قطعت السلطة رواتبهم، وتركتهم يجترون الألم مع ذوي الشهداء والجرحى.
الأسير فارس بارود الذي افترش السجن لسنوات طويلة، تمنى أن يفترش شعبه الكرامة الوطنية، لا المذلة والمهانة الوظيفية، والانشغال بالرواتب والنسب المئوية.
الشهيد فارس بارود الذي احتمل عذاب السجن لسنوات طويلة، تمنى أن يخفف عن شعبه عذاب الاحتلال، لا أن يوفر التعاون الأمني الحياة والهناء لجنود الاحتلال.
المحرر فارس بارود الذي طوته غربة المكان وظلمة الإنسان، ظل يحلم بالوحدة الوطنية على برنامج المقاومة، والشراكة السياسية دون السماح لأحد بالتفرد بالقرار، والسطوة بالسلطان.
ترجل فارس عن صهوة البارود، ولكنه ينتظر من الشعب الفلسطيني لحظة وفاء بالعهود، فارس ينتظركم في مراسم التشييع، ويعدكم بأن تكون المراسم وطنية، لا تنظيمية، وأن تكون مسيرة جثمانه صرخة شعب أبي يرفض أن يذل بالراتب، وأن يعاقب بالخصومات المالية.
ينتظركم فارس الأسير المحرر الشهيد بمراسم تشييع تليق بالعطاء، وتحاكي الرجاء.