يظن كثيرون أن الاعتذار ضعف ودليل انكسار، بل هو خلق اجتماعي جميل، الاعتذار ليس كلمة مجاملة تقال في زحمة الحديث وتسويغ الخطأ، خروجًا من ورطة بسبب سلوك ما خطأ، الاعتذار يعني الاقتناع التام بأن هناك ما ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجب الاعتذار، الاعتذار فن إنساني لا يتقنه جميع البشر، مع أنه لا يتطلب علمًا أو ثقافةً كبيرين، بل شيئًا من أدب وتواضع، وحياء ودين، وكبح جماح كبرة نفس أمارة بالسوء.
إن نوع الاعتذار لابد أن يقترن بنوع الخطأ وحجمه، أن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا أشخاص سيئون، بل الكبار هم من يعتذرون، وإن كان الاعتراف بالخطأ فضيلة فإن الاعتذار عن الخطأ فضيلة أسمى، وإن كنت حقًّا لا تريد الاعتذار مطلقًا فلك ذلك بشرط ألا تخطئ أبدًا، ولما كان الإنسان خطاء بطبعه إذن تعلم فنون الاعتذار وأساليبه.
لقد علم الله (تعالى) آدم وحبيبته حواء فنونه حينما شعرا بالخطأ بحق الله بقرآن يتلى ليوم الدين: "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، وموسى (عليه السلام) اعتذر حينما وكز الرجل بعصاه، والأنبياء اعتذروا كذلك، فمن الواضحأن الكبار هم من يعتذرون؛ فبلقيس اعتذرت، وامرأة العزيز كذلك، فلمَ الكبر إذن؟!
لكن أسلوب الاعتذار وطريقته مرهونان بالخطأ وحجمه وطبيعة الشخص الآخر؛ فيجب عليك الاعتذار بما يرضيه ويحقق المصالحة، ويطيب الجرح، يملؤك الندم والأسى على ما بدر منك.
إنما يرفض الاعتذار صاحب نفس مريضة، وذات وضيعة، فلا تجعل الكبر لك عنوانًا، وكن صاحب شيم عريضة ونفس فريدةللخير مطيعة؛ فلنخرج من عباءة الخوف من الاعتذار؛ فالحقيقة أن الكثير يستوجب علينا الاعتذار: القادة والحكام لشعوبهم، والآباء للأبناء، والرجال للنساء.
حان الوقت لأن نعيد ترتيب أولوياتنا في علاقاتنا بمن حولنا، وتعلم فنون الاعتذار، وعده إحدى أهم الأولويات التي يجب أن نوجدها في مجتمعاتنا؛ فهو خُلُق وصفة عظيمة قد تحل الكثير من المشاكل، وتعيد الإنسان إلى إنسانيته التي سلخناه منها نتيجة أفكار الغلو والتشدد والهيبة المزعومة التي طغت على حياتنا؛ فاستكبرنا على إنسانيتنا.
وفي الختام أعتذر عن كل موقف لم أكن فيه إنسانًا، أو رجلًا، أو صادقًا مع نفسي ومن حولي، أعتذر إلى من تسببت بأوجاع أو جرحًا في أحاسيسهم، وأعتذر إلى نفسي التي حرمتها طويلًا لذة الطاعة لله (عز وجل).